الإخوان.. ليسوا سواء

الإخوان تيار واحد وتوجّه واحد وجماعة واحدة، وبالتالي فالتمييز بينهم يكون تمييزاً بين الأفراد فقط، وليس بين توجهات وتيارات داخل الجماعة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/26 الساعة 02:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/26 الساعة 02:05 بتوقيت غرينتش

"الإخوان" كمنهج هي منهج الإسلام بلا زيادة ولا نقصان، هذا المنهج الذي جاء به قرآن ربنا وسُنة نبينا، وأوضحه وبيّنه أسلافنا الكرام، فسار الإخوان المسلمون على ذلك لا يقيلون ولا يستقيلون، متبعين غير مبتدعين، مجددين غير مقلدين، يقبسون من نور أسلافهم غير مقدسين ولا مؤلهين، ليس معصوماً عندهم إلا كتاب ربهم وسُنة نبيّهم الصحيحة.

والإخوان كجماعة هي -في رأيي- أعظم حدث في تاريخ الإسلام بعد سقوط الخلافة الإسلامية (1924) إلى اليوم.

فلا أجد جماعة ولا حزباً ولا توجّهاً في دنيا الإسلام منذ ذلك التاريخ إلى الآن بمثلها في الانتشار والتنظيم والمنهجية والعمل والثمرة والتأثير.

أما عن الإخوان كأفراد فمثلهم كمثل غيرهم من الأفراد، منهم ومنهم. وهناك فرق في المسألة بين الإخوان والسلفيين في ذلك، فأنا عندما أقول إن السلفيين ليسوا سواء في مقال آخر، فأنا أقصد أنهم ليسوا سواء كأفراد وتيارات ومجموعات، فالسلفيون أكثر من تيار وأكثر من مجموعة، وبالتالي فالتمييز بينهم في إطار عنوانهم الكبير (السلفيين) هو تمييز إلى تيارات وتوجهات مختلفة ومتباينة، وكذلك يسري التمييز إلى أفراد السلفيين، فهم ليسوا على شاكلة واحدة داخل التيار الواحد والحزب الواحد.

أما الإخوان فهم تيار واحد وتوجّه واحد وجماعة واحدة، وبالتالي فالتمييز بينهم يكون تمييزاً بين الأفراد فقط، وليس بين توجهات وتيارات داخل الجماعة.
وحول التمييز بين الأفراد داخل الجماعة نقول:

من الإخوان من تجدهم وقد حصروا ولاءهم -أو كادوا يحصرون- في جماعتهم وقيادتهم ومنهجهم فقط، والخشية مع ذلك أن يكون ذلك الولاء قد تجاوز ولاءهم للإسلام كدين، ولمرجعيته الأصولية كمرجعية، وهذا يرجع إلى سحر الجماعة والعمل فيها، فالعمل الجماعي الحركي برغم كونه صعباً وشاقاً، فإنه ساحر جذاب، يكاد يطغى الانتماء إليه على أي انتماء لغيره، وفي هذا المعنى تحدث الأستاذ (سعيد حوّى) في مذكراته.

ومنهم أولئك الذين فطنوا إلى أن الجماعة وسيلة وليست غاية، وأن الغاية هي إرضاء الله والعمل لدينه، سواء داخل جماعة أو خارجها، وبالتالي فقد عدلوا في ولائهم لجماعتهم وقادتهم، وأبقوا عليه مع معرفة حدّه ومنتهاه.

ومن الإخوان مَن غرق في ترتيبات جماعته الإدارية وتحركاتها السياسية حتى غدا ذلك هو كل دعوته ودينه، فتراه مقصراً في عباداته إلى أبعد حد، حتى يسبقه فيها عوام الناس، وتراه وهو يكاد لا يحسن دعوة الناس ونصحهم وهدايتهم، كل حياته وعمله الجماعة وإدارياتها ونشاطاتها السياسية.

ومنهم أولئك الذين أخذوا العمل الإسلامي بشموله، وحاولوا ألا يطغى جانب منه على الجوانب الأخرى، فلم يمنعهم الاهتمام بإداريات الجماعة عن الاهتمام بالدعوة والتوجيه وتربية المجتمع، ولم يشغلهم العمل السياسي العام عن العبادات والعلاقة الفردية مع الله، فتراهم وقد غدوا إلى أعمالهم الإدارية والسياسية وهم صوّامون ذاكرون مسبّحون.

ومن الإخوان مَن ترى فيه ضحالة في العلم والثقافة إلى الحد الذي تتعجب معه وتتساءل: كيف بهذا أن يكون في صفوف هذه الجماعة؟!. فترى من الإخوان من لا يعرفون أبسط الفقهيات والآراء، ويقضي الواحد منهم حياته كلها ولم يقرأ فيها كتباً تُعد على أصابع يديه، بل ومنهم من لم يقرأ كتاباً واحداً.

ومنهم مَن تراه فترى العلم يتدفق، يحاورك فيقول: قال فلان في كتابه كذا وكذا، وردّ عليه فلان في كتابه كذا وكذا، وهذا الرأي حسّنه فلان وضعّفه فلان. وهذه هي الخلطة السحرية التي تضفي على الداعية شيئاً من بهاء العلم ونسبه، هكذا كما يقول الأستاذ محمد أحمد الراشد.

ومن الإخوان مَن ينغلق على دعوته فلا يسمع إلا لها ولا ينظر إلا بها، ويرى أن أي توجيه أو نقد لها إنما هو من قبيل العداء ومحاولة الهدم، وإن كان النقد من أحد أبنائها فهو من عدم الانضباط، ويعزلون أولئك الناصحين من أبناء الدعوة عن كل المناصب القيادية متى استطاعوا، ولسان حالهم في ذلك: إن أهل الولاء والانضباط هم الأولى بالتقديم، أما أولئك الثرثارون المتفيهقون فلا مكان لهم بيننا.

ومنهم أولئك الذين علموا أن العصمة ليست إلا للأنبياء، وأن جماعتهم وقيادتهم ليست معصومة، وأنه من الواجب أن يستمعوا إلى كل دعوات الإصلاح، سواء من خارج الجماعة أو من داخلها، وأن الاستماع إلى نصح أبناء الداخل أولى، فهم مَن عايشوها وخبروها وعلموا مواطن الخلل والقوة فيها، وأنه لا بد من تقديم أهل الكفاءة على أهل الثقة، ويكفي أهل الكفاءة الحد المعقول من الانضباط والولاء، ولا داعي إلى المبالغة في شيء.

ومن الإخوان مَن تراه وقد ملك عليه ادعاء الوسطية والتيسير أمره وحياته، فتراه يبحث عن كل شاردة وواردة في آراء العلماء لييسر على الناس أمرهم، وعليه كذلك، فيبالغ حتى يغدو بين الناس لا تعرف له مظهراً يدل على دينه والتزامه، وكذلك لا تجد له مخبراً، يغدو بينهم بلا شكل ولا طعم ولا لون تدل على مشروعه ومنهجه، يتميّع فيغدو مميَّعاً مميِّعاً.

ومنهم أولئك الذين بارك الله في دينهم وإيمانهم، فانعكس ذلك على مظهرهم وسلوكهم وسَمْتهم، ولم تمنعهم وسطيتهم وتيسيرهم من الاحتراز والحذر، ويغلقون في ذلك ألف باب حتى لا يأتيهم المنكر من باب واحد، هكذا تعلموا من أسلافهم الأطهار الأبرار.

ومن الإخوان مَن وقفوا في المعركة مع الأباطيل والطواغيت كما تقف الجبال، ثابتين شامخين، وقدموا في ذلك ولا يزالون صورة أسطورية للثبات على الحق والتضحية من أجله، فإذا ما ذُكر الثبات ذُكروا، وإذا ما ذُكرت الملاحم والأساطير ذُكروا.

ومنهم مَن انقلبوا على جماعتهم انقلاباً أسطورياً، بل وانقلبوا على الحق كله، ثم وقفوا في صف الأباطيل والطواغيت، حتى قدموا صورة أسطورية للانقلاب والحيد، صورة أقرب إلى الجنون والمسّ.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد