“جول” السيسي في مرمى قضيتنا

يتحتم عليك اليوم أيضاً، باسم الثقة العمياء بالجيش، أن تصدق (الهرطوق) الأكبر، عبد الفتاح السيسي، حين قال إنه أحرز هدفاً (جاب جول) بتلك الصفقة المشؤومة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/24 الساعة 10:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/24 الساعة 10:55 بتوقيت غرينتش

جرت العادة في الشهور الأخيرة، بأنك عندما تتحاور مع أحد مؤيدي الانقلاب في مصر تجده يعاجلك بعبارات كالرصاص في سرعتها والحِراب في حدّتها، يقول فيها:
الانقلابي (صائحاً): إنت خاين عميل بتكره جيش بلدك.
أنت: يا عم افهم، أنا…
الانقلابي (مقاطعا): إنت إيه بس.. ميكرهش جيش مصر إلا الصهاينة.
أنت: الكلام ده المفروض يكون نظرياً، صح.. لكن اللي حاصل دلوقتي…
الانقلابي (بحسم): شوف.. لولا إني أعرف طنط كويس، كنت بلغت عنك الأمن الوطني وقلتلهم عليك إخوان!

وفي تلك اللحظة الفارقة، ينتهى الحوار قسرياً بعد التلويح باستخدام الهرطقة المُفرطة على الطريقة الماسوية (نسبة إلى الإعلامي أحمد موسى)، وعليك حينها ألا تصدق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حين قال معلِّقاً على صفقة الغاز -أو اقرأها دون النقاط إن شئت- بأن إسرائيل اليوم في عيد!

وفي المقابل، يتحتم عليك اليوم أيضاً، باسم الثقة العمياء بالجيش، أن تصدق (الهرطوق) الأكبر، عبد الفتاح السيسي، حين قال إنه أحرز هدفاً (جاب جول) بتلك الصفقة المشؤومة، ولك أيضاً أن تتناسى تصريحة الرئاسي الشهير: (هأأأأوو)، أو تستطيع أن تحاول إقناع نفسك بأنه فتح جديد في العلوم السياسية والأدبيات الدبلوماسية، لا لشيء سوى أن السيسي قادم من المؤسسة العسكرية منبع الوطنية.

هذا الصنم (الهُبَلِيُّ) الذي بَنَتْه الدعاية والإعلام منذ عهد عبد الناصر، ليطوف حوله المصريون منذ عقود، في خشوع وإيمان، مكررين النشيد الجاهلي القديم: نحن غرابا عك، أي: نحن عبيد قبيلة "عك"، وربما (العك) الجديد هنا ليس اسم القبيلة اليمنية القديمة، ولكنه (عك) من نوع آخر، كذلك الذي نشهده في سيناء 2018، أو نشهده في واقع حياة المصريين بصفة عامة.

ولكن، ما سرُّ هذه العبادة الجاهلية للزي العسكري وكأن هذا الجيش حتى استطاع أن يرفع رأسه مطالباً إسرائيل بتعويضات عن أسراه الذين ذُبحوا بعد نكسة 67، ولا أقول مجرد التفكير في تحرير المقدسات المغتصبة!

(ربما تفوق قيمة هذه التعويضات -إن طالبت بها مصر- الـ15 مليار دولار التي سندفعها ثمناً للغاز الإسرائيلي، ولو تمت إضافة قيمة التعويضات المستحقة جراء احتلال سيناء غير القانوني والانتفاع بثرواتها منذ عام 1967 حتى 1982، لتضاعف المبلغ، وإن تحدثنا عن أم الرشراش المصرية "إيلات"، لكان المبلغ المتوقع مئات المليارات من الدولارات).

الواقع أن لدينا قصة بائسة مع هذا الجيش الذي أفقرنا وأذلَّنا وقتلنا وانتهك أعراضنا، وجعلنا أضحوكة بين الأمم، أو لعلنا صرنا (كُفْتَجِيَّة) العصر الحديث!

هذه القصة تبدأ حين انقلب هذا الجيش، متحالفاً مع الأميركان وسفيرها "كافري" ضد ملكية دستورية أحكمت الحصار حول إسرائيل وحرمتها من الملاحة في البحر الأحمر منذ عام 1948 وحتى قيام انقلاب يوليو/تموز 52.

ثم انقلب هذا الجيش على قائده اللواء محمد نجيب عام 1954 حين حاول إعادته إلى ثكناته، والعودة إلى المسار الديمقراطي، ومتجاهلاً رفقة السلاح -ويُفترض أن يكون لها حرمتها- قام هذا الجيش بحبس اللواء نجيب في منزله عقوداً.

(لاحظ أنهم اتبعوا السياسة نفسها مع الفريق سامي عنان بمجرد إعلان نيته الترشح)

ثم فشل هذا الجيش في الذود عن سيناء وبورسعيد في أثناء العدوان الثلاثي عام 1956، ولولا صمود المقاومة الشعبية ولعبة التوازنات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، لضاعت مصر حينها، بعد أن خسرت قواتها الجوية الوليدة بالسيناريو نفسه الذي تكرر لاحقاً عام 67.

(عن طريق الدعاية والإعلام، قدم عبد الناصر نفسه في صورة البطل قاهر دول العدوان الثلاثي، لا سيما بعد استقالة أنطوني إيدن رئيس الوزراء البريطاني في 9 يناير/كانون الثاني 1957).

ثم أضاع جيشنا حلم الوحدة مع سوريا، التي جاءت إلينا بكل الحب والثقة تطلب وحدة اندماجية تضع إسرائيل بين شقَّي الرحى، بعد مجموعة من التصرفات والقرارات الصبيانية التي لم أجد في تاريخنا ما يشبهها سوى تصرفات قادة إمارات الحشاشين التي تكونت في العصور الوسطى قبل اجتياح التتار أمتنا الإسلامية.

ثم أضاع هذا الجيش رصيد مصر من الذهب في حرب عبثية باليمن، لم تسفر إلا عن وقوع 30 ألف قتيل مصري، وازدياد نفوذ آل سعود في اليمن، قبل تراجع مُخزٍ وموافقة غير مشروطة على كل طلبات آل سعود، مقابل الإنسحاب الذي كانوا قد ألِفوه بعد النكسة المُذلة التي أضاعت سيناء وغزة والضفة الغربية، وفي القلب منها القدس الشريف -واحرَّ قلباه على ضياعه!- فضلاً عن آلاف الشهداء وتدمير 80% من قدراتنا العسكرية.

ثم بعد 3 أيام رائعة في أكتوبر/تشرين الأول 1973، فقدَ هذا الجيش 250 دبابة في ساعات نهار، في تطور مُريب للهجوم، لا معنى له ولا هدف واضحاً سياسياً أو عسكرياً!

ثم تعرض هذا الجيش لثغرة، جعلت الجيش الإسرائيلي على بُعد أميال قليلة من القاهرة، لأول مرة، في تهديد صريح لأمن المواطن المدني الذي يدفع لهذا الجيش نظير حمايته.

ثم تعرض الجيش لحصار جزء منه – وهو الجيش الثالث- في نهاية هذه الحرب، حتى بات الطعام يصل إلى الجزء المحاصَر بإشراف إسرائيلي مباشر (يوماً بيوماً)، في مقابل طلبات لا حصر لها من إسرائيل، رفعتها غولدا مائير في وجه السادات، الذي كان يلبي صاغراً.

ثم وضع هذا الجيش يده في يد الأميركان والصهاينة؛ لصياغة اتفاقية سلام مخُزية، نقلت زعامة العالم العربي بعيداً عن القاهرة.

ثم في حادثة مريبة، قتل هذا الجيش الفريق البطل أحمد بدوي و13 جنرالاً مصرياً شرفاء، شاركوا في أشرس المعارك ضد إسرائيل، ليتحول بعدها إلى جيش البزنس دون جيش العبور والكرامة.

ثم شارك هذا الجيش في قتل السادات حين فكر في نقل السلطة للمدني منصور حسن، وفق تصريحات البعض من أبناء أنور السادات.

(تمت محاكمة النائب عصمت السادات بتهمة ازدراء المؤسسة العسكرية، حين طالب بإعادة فتح التحقيق في حادث المنصة وتم حبسه عاماً).

ثم اعتقل هذا الجيش أسطورته الفذة الفريق سعد الشاذلي، قاهر الصهاينة، ورئيس أركان الجيش الذي أبهر العالم لحظة عبوره القناة وتصدّيه للهجوم الإسرائيلي المضاد.

ثم فتح هذا الجيش قناة السويس للبوارج الأميركية لتدمير العراق، حيث يوجد ملايين من المصريين يعملون ويرسلون نقودهم لكفالة عائلاتهم في طول مصر وعرضها، حتى إن وجه البناء في معظم القرى المصرية تغيَّر في ثمانينيات القرن الماضي؛ بسبب نقود المصريين العاملين بالعراق.

ثم كانت القصة المعروفة مع مبارك حين فكر في نقل السلطة لجمال مبارك المدني أيضاً، واستطاع الجيش حينها تصوير نفسه بأنه من حمى الثورة، قبل أن نكتشف جميعاً أنه من استغل الثورة وركب عليها، واستثمر نتائجها وحده لا شريك له في الحكم بعد الانقلاب الدموي على أول رئيس مدني منتخب، والأحداث التي تلته.

أنا واحد من ملايين المصريين الذين حلموا في طفولتهم بارتداء البزة العسكرية، لا سيما أني أنتمي إلى الجيل الذي نشأ وترعرع ليجد أفلام حرب أكتوبر تطغى على وجدانه، ثم بدأت الصدماتُ والخيبات والحسرات مع اتساع الثقافة وتوالي القراءات.

ورغم ذلك كله، ما زلت أحلم بجيش قطز والظاهر بيبرس، جيش صلاح الدين، السلطان محمد الفاتح، جيش المثنى بن حارثة وطارق بن زياد وعقبة بن نافع، جيش عمرو بن العاص، ما زلت أحلم بجيش خالد بن الوليد.

من يستطيع أن يكتب حرفاً واحداً يجرح مشاعر هذه الجيوش التي تحمي وتصون، التي تفتدي، وأبداً لا تفرِّط؟

___________
مراجع:

مصدر 1

مصدر 2
مصدر 3

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد