لم تكن للثورات لتنجح بين ليلة وضحاها، فالأمر ليس ببسيط، ولعل من واكب ثورة حقيقية كاملة قد يشعر أنه لم يكن ليحلم بذلك حينها، وعلى سبيل المثال فإن الثورة الفرنسية استمرت لمدة عشر سنوات حتى حققت أهدافها، وفي العديد من المواقع البحثية حيناً تقرأ تاريخ الثورات قد يلفت انتباهك جملة مثل "لا يمكن لنا تصنيف أي ثورة عربية جديدة من ثورات الربيع قبل رؤية نتائجها".
ولكن في معتقد الكثير من الناس أن الثورات قد تنتهي من أول معركة أو الثاني، وإن وصل أحد أعداء الثورة للحكم نهاية الثورة، ولعل ما ساهم في نشر الفكرة بمصر هي الآلة الإعلامي التي تتحدث بلسان الثورة المضادة والدولة العميقة والإمبريالية المتوحشة ورموز الفساد، وكل من هو سيئ في الأعوام العشر الماضية وربما لزمن أبعد.
ربما يكون ذلك أيضاً هو ما دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للخروج على الشعب المصري بكلمته في أحد المحافل الزائفة التي لم تتوقف منذ وصوله لمقعد الرئاسة؛ ليهدد وبشكل صريح غير قابل للتهاون من تكرار تجربة ثورة يناير|كانون الثاني 2011 ، بقول واضح وصريح: ما حدث منذ 7 أو 8 سنوات لن يتكرر مرة ثانية في مصر، ولَم يحدث في مصر في التوقيت المشار إليه سوى ثورة الـ25 من يناير التي قامت ضد الرئيس السابق محمد حسني مبارك الذي كان ينتمي للفصيل ذاته وارتدى البدلة العسكرية ذاته، وربما عمل الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي تحت قيادته، إلا أن الرئيس الحالي استطاع في فترة وجيزة أن يحكم قبضته على الدولة، وأن يطيح بكل معارض له مستغلاً في ذلك حالة الهلع التي تسببت فيها جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها إبان الإطاحة برئيسهم محمد مرسي، وربما استطاع السيسي أن يستغل ذلك.
يدعم ذلك ببعض أفكار النازي جوزيف جوبلز، العقل المدبر للديكتاتور أدولف هتلر الذي تعد حقبته من الأكثر دموية في التاريخ الحديث، وكرهه للإعلام والمثقفين وأقوال هتلر نفسه، مثل: "إذا أردت أن تحكم شعباً عليك أن ترهبه وهو ما يطلق بحذافيره في وقتنا الحالي، ولعل للسيسي عقلاً مدبراً آخر يدعى عباس كامل، وهو مدير مكتبه والرئيس الحالي لجهاز المخابرات، وربما هو من يكون دبّر وخطط للتخلص من معارضي السيسي، بمن فيهم جنرالات سابقون في المؤسسة العسكرية، إضافة لإغلاق العديد من الصحف الإلكترونية المعارضة وغير المعارضة لمجرد الإشارة إلى أي أخطاء ارتكبها النظام الحالي، إضافة أيضاً لمئات المعارضين المحتجزين بسجون النظام دون توجيه اتهام، ولنضِف إلى ذلك أيضاً تنفيذ حكم الإعدام بمحاكمات مسيّسة، وبلغ الأمر تنفيذ الإعدام في 15 شخصاً في يوم واحد.
كذلك لم يسلم الإعلام الخاص من يد النظام التي طالته، فأصبحت أغلب وسائل الإعلام موالية له، وبعضها أصبح مملوكاً وتديره قيادات بالقوات المسلحة ما ساعد في تسهيل المهام في تغيير اتجاه أعين الشعب عن أخطاء النظام الحالي التي تصل لحد الجرم المشهود.
وترسيخ الصورة السيئة المضرة عن الثورة المصرية وتصويرها على أنها سبب ما آلت له الأمور من خسائر على كافة الأصعدة، ولعل آخر ما طالته يد النظام الحالي الانتخابات الرئاسية التي يحارب النظام جاهداً لإبراز ديمقراطيتها وتقبله للآخر، وبشكل عبثي دفع بأحد مؤيديه لمنافسته في الانتخابات، وهو الشخص الذي استخدمه النظام ذاته للإطاحة بأحد أبرز معارضيه واحتل مكانه في رئاسة حزبه الوليد.
إلا أن أسلحة النظام الحالي من إرهاب زائف وخطر شكله من وحي ديكتاتوريته قد تزول يوماً ولنعتبر من التاريخ ومن رئيس استطاع المكوث على مقعده 30 عاماً، وانتهى به الأمر خلف قفص الاتهام، وإن كانت محاكمة زائفة، فيكفي لأبناء هذه الثورة المجيدة أن ينتهي به الأمر كمتهم بعد 30 عاماً من الظهور في زي القائد الحكيم سيضاف لسجله صحيفة اتهام بالفساد والسرقة والاستغلال.
قد يكون الأمر مشابهاً عما قريب، وينتهي وربما لما يبقى لنا إلا الانتظار حتى انتهاء الفترة الرئاسية الثانية المحددة وفقاً للدستور الذي قد قبلناه عقب الإطاحة بجماعة الإخوان، وربما علينا أن نعد أنفسنا حتى تلك اللحظة، لنزع حقنا إما بالدستور الذي حكم به أو بالثورة التي حاكمنا به سابقيه، وأن نتعلم من التاريخ، ثوراته، طغاته، هزائمه وانتصاراته.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.