عفرين.. والرمال المتحركة في سوريا

ولكن بعد أن أعلنت الولايات المتحدة عن مشروعها بإنشاء قوة حدودية تضم 30000 مقاتل من قوات سورية حليفة، توقعت تركيا إعطاء الأكراد في سوريا حكماً ذاتياً لهم على حدودها الجنوبية، وقد يمتد من شرق الفرات إلى غربها، ولذلك بادرت تركيا إلى التدخل العسكري في عفرين؛ لمنع وصول البيدة، أي أكراد سوريا (الموالين لحزب العمال الكردي التركي) إلى البحر المتوسط، وبالتالي احتمال تشكيل دويلة كردية هناك.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/07 الساعة 23:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/07 الساعة 23:48 بتوقيت غرينتش

عندما تدخلت روسيا في الحرب الدائرة في سوريا أواخر عام 2016 أوضحنا أن التدخل الروسي سيؤدي إلى إجراء مفاوضات سلام؛ لأن روسيا تعلم جيداً أن إطالة أمد الحرب لن تكون في صالحها، وفعلاً جربت روسيا العديد من المحاولات لإجراء تسوية سلمية للصراعات الدائرة هناك دون جدوى؛ حيث إن اللاعبين في هذه الساحة لا يرغبون بالحلول السلمية على الطريقة الروسية، بالرغم من انحسار المطالبات برحيل الرئيس السوري بشار الأسد.

وقد تعذر على الروس جمع وجهات النظر المتناقضة بين الأطراف الطامعة فيها، فالمصالح الإيرانية ومعها حزب الله اللبناني تختلف جذرياً عن المصالح التركية ومعها القطرية، إضافة إلى المصالح السعودية والأميركية وكذلك الإسرائيلية.

ولما قامت أميركا بمساعدة وتسليح الفصائل الكردية المسلحة وتشكيل (قسد)، أي قوات سوريا الديمقراطية، التي تضم في أغلبها عناصر كردية، توجست تركيا خيفة منها، وقد حذرت الأميركان منذ البداية من عبور هذه القوات إلى غرب الفرات.

ولكن بعد أن أعلنت الولايات المتحدة عن مشروعها بإنشاء قوة حدودية تضم 30000 مقاتل من قوات سورية حليفة، توقعت تركيا إعطاء الأكراد في سوريا حكماً ذاتياً لهم على حدودها الجنوبية، وقد يمتد من شرق الفرات إلى غربها، ولذلك بادرت تركيا إلى التدخل العسكري في عفرين؛ لمنع وصول البيدة، أي أكراد سوريا (الموالين لحزب العمال الكردي التركي) إلى البحر المتوسط، وبالتالي احتمال تشكيل دويلة كردية هناك.

وقد ساهمت قوات مسلحة من الجيش السوري الحر في الهجوم على عفرين تحت قصف الدبابات والطائرات التركية.

وبالرغم من أن للروس علاقات جيدة مع أكراد سوريا إلا أنهم فضلوا التعاون مع تركيا على حساب الكرد؛ لما لها من ثقل واضح في المنطقة، ورغبة روسيا في كسب تركيا على حساب أميركا التي كانت الصديق التقليدي للأتراك طوال سنين طويلة، خصوصاً أنها عضو فاعل في حلف شمال الأطلسي، ونتيجة لذلك انسحبت الوحدات العسكرية الروسية من منطقة العمليات في عفرين، وبذلك يكون الروس قد تخلوا عن أكراد سوريا لصالح الأتراك.

كما أن لإيران مصلحة هي الأخرى في ضرب الأكراد في عفرين لهدف مشابه لأهداف تركيا، وهي عدم السماح لأي كيان كردي بالوجود في سوريا مستقبلاً.

وبالرغم من أن النظام السوري كان قد حذر القوات التركية من الدخول للأراضي السورية، إلا أن هناك شبه اتفاق ضمني على تأييد هذا التدخل من أجل الحفاظ على ما سمي بسوريا المفيدة.

أما الولايات المتحدة الأميركية فيبدو أنها لا تمانع من التدخل التركي في عفرين، ولكنها تتجنب الصدام مع الأتراك في شرق الفرات، وهو المجال الحيوي الأميركي في سوريا.

كما أن أميركا لا يهمها وجود أو عدم وجود كيان مستقل للكرد في سوريا، وأنها تفضل الحفاظ على مصالحها هناك، بدلاً من رعاية مصالح الأكراد، وهي على استعداد تام للتخلي عنهم في أي لحظة، كما حدث مع أكراد العراق الذين راهنوا على مساعدة الأميركان لهم، عندما أساءوا فهم السياسات والمواقف الأميركية في المنطقة، فوقعوا في خطأ الاستفتاء القاتل.

إن الأميركان قد عرضوا على تركيا مقترح المنطقة الآمنة في شمال سوريا بعمق 30 كيلومتراً كبديل عن التوسع بالعمليات العسكرية التركية التي ربما تمتد بعد ذلك إلى منبج.

كل ذلك من أجل التوصل إلى تفاهمات قد تحد من سوء العلاقات بين الجانبين الأميركي والتركي، وتجنب الصدام المسلح.

وهذا المقترح قد يرضي الأتراك، ولكنه لا يرضي النظام السوري الذي يحاول الوصول إلى كل الأراضي السورية، ولكن ذلك يبدو مستحيلاً؛ حيث يتعذر عليه السيطرة مجدداً على مناطق واسعة مثل الجولان وشرق الفرات وجنوب شرق سوريا، أي المثلث السوري الأردني العراقي وربما إدلب وغيرها.

إن تركة ما يسمى بدولة الخلافة الإسلامية المقبورة في سوريا قد توزعت بين الأطراف المتحاربة الحالية. وما كانت من تقسيمات وحدود داخل الأراضي السورية قد تغيرت إلى حدود جديدة، وهي باستمرار نحو التغير حسب مصالح الدول المتنافسة على الأرض، حتى أصبحت كالرمال المتحركة.

فحدود سوريا القديمة قد انتهت إلى الأبد، ولكن لا أحد يعلم الآن ولا في المستقبل القريب أين ستكون حدود سوريا المفيدة وحدود النفوذ الأميركي أو الروسي داخلها.

أما النفوذ الإيراني فإن الأميركان يعملون على قضم الأرض السورية من ناحية الشرق؛ لغلق الحدود العراقية – السورية أمام إيران، وغلق الحدود السورية – الأردنية أمام التطرف الإسلامي، أياً كان اسمه؛ النصرة أو القاعدة أو ما ينشأ مستقبلاً من حركات مشبوهة.

وسيتم الحفاظ على ما يسمى بسوريا المفيدة بحدودها المجهولة، ولا نعلم لمن ستكون مفيدة في خاتمة المطاف، ولكننا نعلم بالتأكيد أنها لن تكون مفيدة للشعب السوري المغلوب على أمره.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد