الورد اللي فتَّح في جناين مصر “ثورة 25 يناير”

ضُغط علينا لترك الميدان، مررنا بمعارك لإزاحتنا من الميدان، لكن ظللنا متماسكين، متيقنين من النصر مرابطين، لا أحد كان يقول هذا ليبرالي أو إخواني أو علماني، لا أحد كان يخوّن من بجانبه، لم يكن هناك "نحن شعب وأنتم شعب".

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/07 الساعة 02:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/07 الساعة 02:29 بتوقيت غرينتش

حينما جاء يوم 25 يناير/كانون الثاني، من سبع سنوات، اليوم الذي لقّب بثورة الورد قبل بدايته بأيام، بشهور، بسنتين، جاءت الثورة حاملة للبهجة والسرور لكل المصريين، جاءت لتفوح علينا بنسائم الحرية العطرة التي نحلم بها من سنوات.

جاءت بشباب قد نضجوا طامحين حالمين في وطن بصورة أجمل، قاموا بتسمية الذين ضحّوا بدمائهم بالورد الذي فتّح في جناين مصر، ثورة الورد التي فاحت برائحة الفل والياسمين، جاءت بعد ثورة الياسمين التي فاحت بعطرها في تونس.

لم تقُم الثورة للخراب أو الدمار، كما يدّعى، بل لإزالة الظلم البيّن في إطالته.

عذراً، من حق أي فرد في الشعب أن ينعم بخيرات بلده ويشارك في زيادتها، وأي مسؤول عنه لم يأتِ من كوكب آخر حتى ينصب نفسه حاكماً على كل سنوات عمر الفرد الذي لم ينَل ولو حريته الشخصية، قامت من أجل إيقاف الظلم المتجسد في التنكيل بأي معتقل في صورة تعذيب، مثل سيد بلال وخالد سعيد اللذين ماتا من التعذيب، قامت من أجل "الحرية.. العدالة.. العيش.. الكرامة الإنسانية".

آسف سأصدعكم، قد كنت التحقت بكلية الآداب في سنة 2008، فبدأت بالصلاة في مسجد الكلية، ذات مرة قد دعوت أصحابي للصلاة، فقالوا لي هلمّ بمسجد خارج الكلية، قد استبعدت ذلك المشوار، فقلت لهم: لمَ لا في مصلى الكلية ظناً منّي أن مَن يراني قد يرى في ذلك رياء؟! ولكن عليّ أن أذهب لأهتدي ولأعلم لماذا؟ فذلك فضول يقتل ذاتي، وها أنا سوف أعلم السر الذي أخفي سنين بالبحث والانشغال.

قال لي صديقي الذي ضحك في سرّه: يا صديقي تلك المصلية التي بداخل الكلية يصلي بها الإخوان، ومَن يقوم بذلك فيتم حفظه من رجال أمن الدولة.

في استغراب وجهل طبيعي قلت: مَن هم الإخوان؟ ومن هم أمن الدولة؟ فتذكرت مثلاً عالقاً في الأذهان قد سمعته كثيراً: "هو اللي بيصلي بيمسكوه؟".

قال: يا صديقي، جماعة الإخوان المسلمين، جماعة بِلِحَى، لديهم مشاكل منذ سنين مع معظم المسؤولين على مر التاريخ، بداية يمكن هناك أسباب دينية، أو حق واجب لهم كمثل أي فرد في الوطن.

أخبرني بنفس الاختصار، مَن هم أمن الدولة؟ قلت له.

قال: جهاز يا صديقي أمني في الداخلية يتبع الشرطة، كان تشبيههم كمثال رجال الصعاب، فقد يكون التشبيه كمدح أو ذم، على حسب ما نعلمه، لكن مسمى أمن الدولة قد شدّني، قد جذبني حقاً، طبعاً يجب أن يكون للدولة أمن، واسم يهز.

بدأت في إشغال دماغي، وقررت أن أصلي في مصلى الكلية دون أصدقائي الذين أكملوا الأيام بمسجد بالخارج، داعين لي: الله يسترها عليك.

أريد أن أعلم بدايةً مَن هم الإخوان؟ فوجدت الإمام المصلّي بِلحية خفيفة وقليلة كذلك، فأيقنت أنه من الممكن أن يكون من ضمنهم، من أسلوب كلامهم الذي يحفظون به اللغة العربية بأصلها، ليس ذلك اتهاماً، ولا أشكالهم ولا دعوتهم بعد كل صلاة بحديث أو تذكرة للمحافظة على الصلاة، والتمسك بالقرب من الله، ليس ذلك اتهاماً، فقد كنت أنتظر لهم كلاماً عن الحكومة، التي لا تجيز كلاماً عن رئيس مصر في ذلك الوقت محمد حسني مبارك، أو أي مسؤول، عن أي شكوى، كنت سوف أنسحب لطالما أن الكلام خارج ما يمكن قوله في ذلك المصلى، نعم بالرغم من أنني أسمع الكثير والكثير عن الحكومة المسؤولة برمتها ورئيس البلاد وبعض الأشخاص، التي كانت تتداول، لكن لم يحدث ذلك.

نعم منذ 2005 وقد سمعت بالإخوان، قبل دخولي الكلية بثلاث سنوات عندما نجحوا بعدد 88 كرسياً في مجلس الشعب، وأتذكر من هو الشخص الذي كان قد فاز بدائرتنا يدعى محمد سعد الكتاتني، وأعلم تلك التفاصيل في تلك اللحظة، وماذا حدث وماذا تسببوا سياسياً، وكيف أحرجوا الحزب الوطني؟ وماذا وماذا؟
هنا تذكرت أنهم من دون لِحى أيضاً.

أعذروني.. أعذروني فمعظم الكلام يحتاج لكلام وتفسيرات، ولكن قد فتح لي فضولي، أثار عيني، وزاد من تشويقي.

هكذا قد مرت سنة وأكثر قليلاً عن منتصف 2008 وها أنا على نفس المنوال مع تطورات جديدة، فقد قررت متابعة الجرائد، التليفزيون ليس كافياً منذ الصغر حقيقة، فقد كان به أخبار مع تحليلات والدي الذي كان يثير آذاني بتحليلاته، لأسمعها وأوزنها.

فقد كنت أتابع "المصري اليوم"؛ لأنني قد علمت أنها و"الدستور" أكثر من كانوا يتكلمون بهذا الشأن، عن الإخوان المسلمين، ها أنا أجلس من شباك كالفرند من بوفيه الشاي الخاص بأساتذة الجامعة، مع تناول الشاي وقراءة الأخبار بتوسّع، وفي بدايات 2010 حيث انتخابات مجلس الشعب الفترة الجديدة، ها قد ظهرت طبول الحرب على الإخوان من قِبل الحزب الوطني الذي اكتسح البرلمان دون استعانة بالشباب الغاضب بعيداً عن الإخوان.

الإخوان لم ينالوا كرسياً واحداً، ها قد أسمع مرشدهم لأول مرة، إنه هو محمد بديع، ليس لطبّال أن يقيم أداء الجماعة، أقصد أحمد عز، ومعايرته بعدم تمكن الجماعة من مقعد واحد.

كنت داخل الكلية وقُبيل فترة الامتحانات أجلس بمكاني المعهود، وأرى فعالية كما عرفتها في ذلك الوقت أو مظاهرة أمامي للاحتجاج على قرار عميد الكلية بعدم ترشح أي إخواني لانتخابات اتحاد الطلبة.

ها قد انتقلت لكلية أخرى في النصف الآخر لـ2010، ها قد سمعت عن الفيسبوك ومقارنة بين #محمد_البرادعي و#جمال_مبارك متفوقاً فيها البرادعي، حيث كنت من أشد معارضي التوريث، قد تذكرت أنني أمتلك حساباً عليه منذ 2008، ولكن لا أهتم، فقد استرجعته وبدأت العمل به.

كنت تائهاً.. أين المقارنة أيها البشر؟ كنت لا أعلم من أين أذهب ونظام السوشيال الميديا الحديث بعيداً عن المنتديات التي ترعرعت بها بخلاف شات الياهو والهوتميل، فقد كان لي باع نقلته على نظام السوشيال الحديث فيس، تويتر، إنستا..

ها قد علمت كان استفتاءً قد انتهى على إحدى الصفحات، ها قد نبهني أحد من استعنت به، يجب عليّ أن أبدأ أضيف أشخاصاً حتى أصادق وأعلم ما يدور، فقد كنت أصادق مَن يتحدثون عن السياسة، ودون ذلك للتنوع.

قد وقعت بالأبطال، ها هم، يظهرون بمسمياتهم التي كنت أظن أنها حركية، هناك ثورة في تونس، ألم يحدث ذلك في مصر؟ لسنا أقل منهم؟ هلمّ هلمّ، تملكتني الفرحة والسعادة، يراودني الحلم، ها قد هرب بن علي رئيس تونس، هرب بن علي، هلمّ هلمّ.

لقد نزل جدول الامتحانات، ها هو أول يوم امتحاني يوم 29 يناير/كانون الثاني، ماذا أنا فاعل؟ فقد خيبت آمال أهلي لأسباب خارجة عن إرادتي، فيجب عليّ ألا أفرط في هذا التيرم من الامتحانات، فقد كنت متابعاً لأحداثها منذ قيامها من أول يوم على الفيسبوك: حليم يخرج من المترو، عواد تم القبض عليه، عواد بخير، دومة بخير، الثورة تظهر على التلفاز، سالي زهران من أوائل الورد، مصطفى، كريم بنونة، الورد كان جميلاً، جميل الورد.

إنها جمعة الغضب، يا الله يا رب الشعب يشارك…. إلخ.

أتذكر في المنيا محافظتي الأم التي تبعد عن القاهرة، لا يوجد شيء أعلمه حتى لا أكون ظالماً، فقد نزلت من وراء أهلي الذين حاولوا منعي، ولكن تشكيت وقلت لهم: سوف أنزل للنزهة مع أصحابي، ولن لا أذهب امتحانات الغد، لم أعرف أين، لكن قد سمعت أنه قد كان هناك مظاهرة وتم الانتهاء منها.

صرخت في نفسي: لمَ لا أكون في القاهرة؟ أريد الذهاب إلى التحرير، أريد أن أكون داخل الحلم، ذهبت إلى أول يوم بالامتحانات، دخل علينا عميد الكلية قائلاً: ستُؤجل الامتحانات لأجل غير مسمى.

بعد الفراغ من الامتحان القائم، وقفت على مكان جلوسي وبصوت عال قلت: يحيا العدل، ويسقط يسقط حكم العسكر، مع ضحكة الدكتور المراقب وذهول من البعض ثم سرعة الخروج خارج اللجنة ثم الذهاب مسرعاً إلى البيت.

"هسافر.. هسافر.. هسافر، ألو يا صديقي، لقد فرغت سوف أذهب معك إلى العمل، هلمّ هلمّ".

ها أنا أشارك الأبطال في الميدان من كل لون، أبحث عن الشباب الذين أعرفهم، أول يوم شاركنا به قد حصلنا على صور لم أعرف أين هي، فقد كنت حاملاً لافتة بسرقات مصر، حقيقة كنت لا أعتصم بالمبيت، ولكن كل يوم كنت أشارك يوم الثورة حتى نجاحها، "هنتنفس خلاص حرية، خلاص أجمل رائحة عطر فاحت، خلاص هنعيش".

ضُغط علينا لترك الميدان، مررنا بمعارك لإزاحتنا من الميدان، لكن ظللنا متماسكين، متيقنين من النصر مرابطين، لا أحد كان يقول هذا ليبرالي أو إخواني أو علماني، لا أحد كان يخوّن من بجانبه، لم يكن هناك "نحن شعب وأنتم شعب".

كسرنا الأساطير الوهمية التي كانوا يعششونها في أدمغتنا منذ الصغر، أصواتنا كلنا مع بعض في الشوارع والحواري كسرت الحواجز هذه.

وها هي قد أتت بأول مطالبها: "الشعب يريد إسقاط النظام"، إلي يوم الحادي عشر من فبراير/شباط يوم تنحّي الرئيس مبارك ومن ثم عزل معظم نظامه.

بعد سبع سنوات من الثورة هي أيضاً ستظل حكاية جديدة، في يوم نتقابل فيه ثانيةً، كلنا على حلم واحد، وهتاف واحد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد