الآن، وبعد فقدان الفلسطينيين الأمل وبشكلٍ نهائي، من نزاهة الدور الأميركي بشأن رعاية العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، اضطرّ الرئيس الفلسطيني "أبومازن" إلى الإعلان خلال خطابه، الذي ألقاه قبل عدّة أيام أمام المركزي الفلسطيني، الذي تمّ عقده لمواجهة متغيرات السياسة الأميركية بالنسبة للقضية الفلسطينية، عن بطلان اقتناعه بالدور الأميركي من الآن فصاعداً، ولم يكتفِ عند هذا الحدّ، بل قام بمهاجمة الرئيس الأميركي "دونالد ترامب"، بعدما أصبح في نظره، يُمثّل جزءاً من المشكلة؛ حيث تولّى سياقة العملية السياسية بعكس السكة المطلوبة، والمؤسسة على القواعد والمرجعيات الدولية، وبشكلٍ خاص، لم يعُد يُقيم لاتفاق أوسلو أي احترام.
وبيّن في الوقت نفسه، كحقيقة ثابتة، بأنه لا يمكن الاطمئنان لنوايا "ترامب" لا سيما في هذه المرحلة، باعتباره منحازاً بشدّة لإسرائيل، وقد توضّح ذلك بجلاء، منذ زيارته لإسرائيل بعد تولّيه منصب الرئاسة مباشرةً باعتبارها تاريخية، وقيامه بتعيين اليهودي "جيسون غرينبلات" مبعوثاً للشرق الأوسط، مع ملاحظة أن "ترامب" ليس مسؤولاً عن تغير سياسة "أبومازن"، بل كان سبباً فقط، باعتباره هو مَن كشف النوايا الأميركية على حقيقتها؛ حيث إن الديمقراطيين الذين يعتبرون أنفسهم الوجه الأبيض للولايات المتحدة، هم بذاتهم الذين كانوا يتلاعبون بالفلسطينيين وعلى مراحل حياتهم، وكان وعد خبراء وسياسيين محليين وأمميين كباراً، وعلى مدى سنين طويلة، بأنه لا يمكن المراهنة على السلوك الأميركي، ولو بنسبة ضحلة.
كانت أكّدت طواقم سياسية وعسكرية إسرائيلية أن "أبو مازن" قصد بخطابه التوجّه للأوروبيين، من أجل جلبهم إلى قيادة العملية السياسية بدلاً عن الولايات المتحدة، وحثّهم على اتخاذ خطوات فاعلة لإنقاذ عملية السلام، باعتبارهم الأوفر حظاً لديه، وفي ضوء اعتقاده بقوّة علاقاته معهم، والمتجسّدة في تأييدهم لسياسته باتجاه العملية السياسية، باعتبارها سياسة مرنة وقابلة للتمدد والاستمرار.
قد يتوفّر لدينا التأكيد على رغبة الأوروبيين، كما يشعر بها "أبو مازن"؛ نظراً للعلاقة الإيجابية المتبادلة، ولقوّة صوتهم حول القضايا الفلسطينية، بشأن توليّهم قيادة العملية السياسية، ولكن وبالقدر نفسه، يجب التحرّك من خلال مصالح لهم كامنة يسعون لكسبها، وجدران صامدة يقفون عند حدودها، والتي من شأنها أن تشل حركتهم، وتجعلهم بلا إرادة.
وفي ضوء ذلك، فإنهم بأي حال، ليس في استطاعتهم جلب إسرائيل إلى مائدة العدالة، وسواء بالضغوطات السياسية والدبلوماسية، أو بأي وسيلةٍ أخرى، كما أنه لن يأتي في خيالهم تحشيد قوّاتهم لفرض أي حلول، نيابةً عن العرب والفلسطينيين، فضلاً عن استبعادهم تفضيل خسارة الولايات المتحدة من أجلهم.
للأوروبيين مساحة محدودة، يمكنهم التمرّغ بها، متى وكيفما يشاؤون، وبحدٍّ أقصى، يمكنهم تأكيد التزامهم بحل الدولتين، ومن تجديد دعواتهم وتنشيط اقتراحاتهم بشأن العودة للمفاوضات، أو التجنيد نحو عقد مؤتمرات دولية، مثلما فعلت فرنساً خلال العام الفائت -برغم أن مؤتمرها لم يسفر عن شيء- كما يمكن لبعضهم، القيام بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ودعم محاولة انضمامها إلى مؤسسات الأمم المتحدة، وزيادة الدعم المالي لها.
على أي حال، سيظل الشعور لدينا راسخاً، بأن لديهم قناعة، حتى بعد انتهاء زيارة "أبو مازن" لعقر دارهم (بروكسل)، لا تقل عن القناعة الأميركية، وفي ضوء اتهامهم بأنهم سبب المشكلة، من خلال استخدامهم لليهود من أجل مشروع استعماري، والتي تؤكّد التزامهم بضمان متطلّبات الأمن لإسرائيل وبصورة جدّيّة، وهي التي ستكون بالضرورة على حساب الفلسطينيين شاءوا أم أبوا.
من ناحية ثانية، فإن ما أفرزه المركزي من قرارات، وهي التي يمكنها أن تسدّ رمق الفلسطينيين، باعتبارها صالحة للتطبيق وبصورةٍ عاجلة، لكنّ التحفّظات الكبيرة عليها، والتي جاءت من قِبل رؤساء فصائل وحركات فلسطينية مُشاركة وغير مشاركة، وشخصيات مستقلة أخرى، جعلتهم يستقرّون على أن يوضحوا للفلسطينيين أن تلك القرارات، هي قرارات (خائفة)، في إشارة منهم إلى ضغوطات الأوروبيين أنفسهم، وبخاصة تلك الآتية من قِبل المتحمّسين منهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.