خلافنا مع إيران .. إلى متى؟

لا يمكن أن يتجاوز العداء مع إيران حدوده، وأن يبلغ مستويات قياسية لا تتناسب مع حجم الصراع معها، وأن يحولنا هذا إلى الاصطفاف مع أعدى أعدائنا ضدها.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/30 الساعة 01:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/30 الساعة 01:24 بتوقيت غرينتش

أضحت العلاقة مع إيران هذه الأيام مثار جدل دائم في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي العربية؛ حيث تفاقمت الحساسية التقليدية تجاهها، وترسخت بعد منسوب التوتر العالي الذي تشهده المنطقة ومستوى الاحتكاك العنيف بين مختلف القوى الإقليمية والدولية على أرضها، بما فيها إيران التي كانت فاعلاً أساسياً في جل بؤر التوتر، كما اتسمت تدخلاتها بالقسوة والدموية، ما ألبّ عليها المزاج المجتمعي العربي الذي رأى في سياساتها استهدافاً له ينبع من خلفيتها العرقية والطائفية.

هذا ما جعل النظرة العدائية للدولة الفارسية ذات الطموح التوسعي الجامح تحصيل حاصل ونتيجة منطقية، غير أن الأحداث المتلاحقة وكثافة الظلم المسلط على الأمة من مختلف أنظمتها المحلية، وكذا من المتدخلين الدوليين، ناهيك عن عدوها التاريخي المحتل الصهيوني، كل هذا وضع الكثيرين في حيرة من أمرهم مع تشابك الأحداث والوقائع والفاعلين المؤثرين فيها.

رغم ذلك فإن ثمة توجهاً متشنجاً لا يدرك تعقيدات المشهد العربي والإسلامي، ويصر على الدفع باتجاه تحويل إيران إلى العدو الأوحد لنا وعلى غض الطرف عن باقي الجبهات التي تطحن وتسحق فيها الأمة، كما يدعو لقطع العلاقات معها، بل والانخراط في حروب لا هوادة ضدها، فيما يتجاهل العلاقات الدبلوماسية التي تنسجها بلدانه مع أميركا وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا وغيرها، والتي أوغلت في دمائنا، ولا تزال بأضعاف ما صنعت بنا إيران.

أمام هذا الوضع المركب بات مطلوباً منا تدبير معاركنا بكيفية متوازنة، وإعادة ترتيب أولوياتنا التي لحقتها أعطاب كثيرة حتى نحافظ على الانسجام مع الذات، بعيداً عن الكيل بمكيالين، وبعيداً عن استدعاء أحقادنا المدمرة وتصريفها في زمان لا تنقصنا فيه الأوجاع والمصائب.

لا ندعو لبراغماتية رخيصة ترقص على جراحات الضحايا والأبرياء، وتتحول إلى بوق دعائي يمسح عار استباحة الدماء في سوريا وعار شرعنة الاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان، بحجة الدفاع عن قضايا أخرى أكثر قدسية، أو باستدعاء لغة المصالح الحقيرة وتقديم دروس بدائية في الممارسة السياسية وقواعد تحالفاتها.

لكن في المقابل لا يمكن أن يتجاوز العداء مع إيران حدوده، وأن يبلغ مستويات قياسية لا تتناسب مع حجم الصراع معها، وأن يحولنا هذا إلى الاصطفاف مع أعدى أعدائنا ضدها.

لذلك فإن الصراع الصفري مع إيران غير ممكن، فإيران ليست "إسرائيل"، وهي كيان متجذر في المنطقة، ولا يمكن إلغاؤها أو محوها من الخريطة، لا سيما أنها في موقع قوة في مقابل قزمية من يسعرون الحرب معها، كما أنها تحمل إرثاً مشتركاً معنا وتتداخل معنا في فسيفسائنا المتنوعة، وأي عبث في هذا الباب سيزيد من تشظي المنطقة.

خلافنا مع إيران ينبغي أن يظل خلافاً مع من يسير دفة النظام الإيراني، وليس مع الشعب الإيراني، ومع دولته العريقة، أو مع الطائفة الشيعية عامة، ولا داعي لاستدعاء الخطاب الشوفيني والطائفي البغيض، ذلك أن الصراع في المنطقة صراع سياسي مصلحي مهما تدثر من يؤجج نيرانه بالطائفة والعصبية العرقية، وهو صراع عبثي لن يحسمه أي طرف، ولو كان ذلك ممكناً لحسم منذ زمن، فما من مصلحة لنا في حرب استنزاف طاحنة تحصد الأخضر واليابس دون أية نتيجة.

قد يرى البعض فيما سبق مثالية مفرطة، فحتى لو ترسخ الوعي بتجنبنا لأية صدامات داخلية من يقنع الطرف الآخر، ومن يوقفه عن عدوانه، لكن الحقيقة أن مشكلتنا في ذواتنا وفي انقساماتنا وجسدنا المترهل وكل ما فعلته إيران، أنها استغلت هذا الوضع وتمددت في الفراغ الذي خلقناه.

مع كل هذا، فإننا نتفق على ضرورة التحلي باليقظة التي تقتضي منا الاحتراز من إيران ومن غيرها، ولكن هذا لن يتأتى إلا بتحصين صفنا وتقويته دونما حاجة للمواجهة المسلحة معها، أما تهييج المشاعر وصب مزيد من الزيت على النار فلن يقدم أو يؤخر من الأمر شيئاً.

كذلك فإن أسلوب المقاطعة الشاملة أسلوب انتقائي، فالواجب الأخلاقي يقتضي أيضاً مقاطعة كل معتد خارجي، وليست إيران وحدها، ثم إن هذا الأسلوب يؤدي بنا بشكل تلقائي إلى الارتهان المباشر للقوى المعادية لنا ويجعلنا مجرد أدوات تافهة لها في معركتها ضد إيران.

مسألة أخرى تفرض نفسها علينا وهي المتعلقة بعلاقة النظام الإيراني بالقضية الفلسطينية ودعمه لمقاومتها، والتي تحظى برفض قطاعات واسعة من الرأي العام العربي، مع أن هذا الرفض يظل غير منطقي، فبغض النظر عن نواياها وممارساتها في جبهات أخرى، فإن دعم المقاومة الفلسطينية مسؤولية الجميع، والنظام الإيراني لا يقدم إلا واجبه تجاهها في مقابل نكوص الأنظمة العربية بل وتواطئها.

الملف الإيراني شائك فعلاً، وإدارته ينبغي أن تتصف بالنضج والحكمة واستحضار مصلحة الأمة في لمّ شملها ووقف نزيفها، فكل الأمم والشعوب التي ترفعت عن أحقادها التاريخية تمكنت من النهوض، والتي ظلت أسيرة لنزاعات الماضي ازدادت تردياً وانحطاطاً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد