من المضحك حقاً أن نعاين بعض آثار "الدهشة" والذهول على متابعي الشأن المصري، بعد تسريبات "نيويورك تايمز" الأخيرة وما "حفلت" به من رسائل غير مشفرة في علاقة النظام بالإعلاميين والفنانين، وكأننا نقف أمام "مفاجأة" من العيار الثقيل، أو أمام أمر مستبعد للغاية وغير متوقع البتة.
غير أن النقطة الأبرز التي يصرّ الكثيرون على تجاهلها و"تزامنت" مع هذا المعطى الذي صنف تحت عناوين عريضة، على غرار "التسريبات التي هزت عرش المحروسة"، وغيرها من الكلمات الرنانة التي تبدو "مبالغاً" فيها؛ نظراً لوجود مئات الأدلة على نوعية "العلاقة" الموجودة بين الطرفين، والتي يمكن استنتاجها بمنتهى السهولة حتى من خلال البرامج التي تؤثث الفضاء الإعلامي ونوعية "الخطاب" الذي تصدره للمشاهد المغلوب على أمره.
وليست تلك الحلقة "المرجعية" من برنامج "أبلة فاهيتا" التي عاد رواد السوشيال ميديا لتداولها بقوة، وتكشف فيها تلقي "الأوامر" من "أشرف الباشا" في حوارها مع لميس الحديدي، سوى غيض من فيض للنماذج المستشرية والأسلوب المخجل المعتمد في التعاطي بين تلك الأطراف، كما تكشف بجلاء أن هؤلاء ليسوا سوى دُمى تحرك يميناً و يساراً حسب الحاجة إليهم .
سأعود للنقطة الأهم السالفة الذكر التي جاءت لتكون بمثابة "الرد الأبلغ" على ما يجري ويدور في الساحة الإعلامية المصرية، وهي واقعة الاختفاء القسري لمعاذ مطر، وهو شقيق الإعلامي المميز معتز مطر؛ لينضم للآلاف من الشباب المصريين الذين يكابدون الظلم والقهر في زنازين العار.
والتمعن في هذا الموضوع وحده يختصر للجميع الوضع السائد الذي يعمل النظام، ويسعى بشتى طرقه ووسائله القذرة لبلورته على أرض الواقع، وخلاصته أن أي إعلامي حر يرفض الانصياع والإذعان سيتعرض لنفس المصير، وسيتم التنكيل بعائلته ومطاردته بأبشع التهم، وتصدير ملايين الأكاذيب ضده للنيل من اسمه وسمعته.
وهذا يُحيلنا كذلك إلى ضرورة التذكير بـ"المسح الشامل" الذي يمارسه النظام، من خلال إنشاء شركات إنتاج ضخمة تحتكر المجال، وتستحوذ على أهم الصفقات، وتمتد لتشمل الوسط الفني أيضاً؛ ليصبح الكثيرون مجبرين على التسبيح بأفضاله ليل نهار، ما جعل المصريين يتفاجأون بأسماء لم تطرق مسامعهم من قبل، صارت الآمر الناهي، وكلها "بخلفية عسكرية"، أو تربطها صلة قرابة مباشرة بعبد الفتاح السيسي شخصياً.
فهل ما زال ممكناً الحديث "بأريحية " لما يجود به أو بالأحرى ما يملى على هذه المنابر ويلقن لها نهاراً جهاراً كي تضحك به على الذقون؟ ثم ما هذا الأسلوب الهمجي في التعاطي مع كل مَن يُجاهر بالحقائق ويُغرّد خارج السرب؟
وإلى أين يتجه الإعلام في مصر و"العسكر" يعيث فيه فساداً بهذه الطريقة البدائية التي ترفض تقبل أي صوت مخالف لها؟ وهل لهذا ثار المصريون وضحوا بالغالي والنفيس كي تكون النهاية وخيمة ومأساوية لهذه الدرجة؟
من الصادم أن نشاهد أن أغلب الأصوات الحرة مهجرة ومنفية خارج الحدود، ولعل آخر هذه الطيور المجبرة على الرحيل كانت الإعلامية الشجاعة عزة الحناوي، التي حطت الرحال بإسطنبول التركية بعد سلسلة من المضايقات والتهديد والوعيد؛ لتكون المحصلة كارثية، ويبقى السواد القاتم مخيماً على الوضع، رغم أن "أمل" الانتخابات لن يخرج عن نطاق المقولة الشهيرة "عشم إبليس في الجنة"؛ لأننا نتحدث عن "عصابة" تختطف البلد، ولن تعوزها الحيلة "لإنتاج " مسرحية جديدة ببطل معلوم معروف للعيان.
وسنختم بملف شقيق الإعلامي معتز مطر الذي يحيلنا إلى "كابوس" جاثم على نفوس المصريين واسمه "الاختفاء القسري" الذي التهم الآلاف من الأبرياء دون ذنب أو جرم، فإلى متى الصمت حيال هذه الطامة الكبرى؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.