شيوخ السلطة وعاهرات الوطن

لمَ نضع أنفسنا دائماً مكان القاضي الذي يحكم على الناس؟ ونحن ليس بين يدينا الأوراق الكافية والأدلة الدامغة الخاصة بهذا الإنسان الذي ينتظر حكمي عليه، فإذا رأيت شخصاً مُلتحياً فهو متدين ورع أو إرهابي ومُكفر ولن ننجو منه اليوم وسوف تجمّع أشلاؤنا في القريب العاجل.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/27 الساعة 02:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/27 الساعة 02:05 بتوقيت غرينتش

لمَ نضع أنفسنا دائماً مكان القاضي الذي يحكم على الناس؟ ونحن ليس بين يدينا الأوراق الكافية والأدلة الدامغة الخاصة بهذا الإنسان الذي ينتظر حكمي عليه، فإذا رأيت شخصاً مُلتحياً فهو متدين ورع أو إرهابي ومُكفر ولن ننجو منه اليوم وسوف تجمّع أشلاؤنا في القريب العاجل.

لمَ دائماً نضع الآخر موضع المُتهم؟ وهذا السؤال أضعه أمامي أنا أولاً قبل أن أطرحه على السادة القضاة، فإذا لمحت أعيننا فتاة تضحك بصوت عالٍ فهي لم تُربّ جيداً فأي صوت يصدر من الفتاة هو دليل على عدم حيائها، حتى وإن كان صراخ الاستغاثة، وأتذكر أحد الدعاة الذي قال على شاشة التلفزيون: إن الله خلق للفتيات عضلات قوية في فخذيها كي تستطيع أن ترد المعتدي عليها! نعم يجب عليها أن تقاتل بفخذيها فقط، أما المجتمع فسوف يقاضي مدى قوة عضلاتها وهل حققت نجاحاً في رد مُغتصبها أم لا!

قديماً في بدايات القرن العشرين عندما كانت الدول النامية محتلة من الدول الشقراء كان هنالك إمام مسجد وقور وصاحب طلعة تفوح بالإيمان والتقوى، ودائماً يتبارك به الناس في الشارع، وكانت شعبيته طاغية والجميع يعرفه وينتظر مجيء الجمعة كي يتمتعوا بخطبة مولانا المطلع على الأسرار وما خفي من المعارف التي يجهلها الكثيرون من الأفراد العاديين الذين لا يملكون سوى الحكم على ورع مولانا ومعرفته، وأنه شخص واصل وكل ما يجري على لسانه حقيقة وصدق بيّن للجميع.

الدين هو دين مولانا، فتلخص الدين في شخصه الطيب الهادئ، وحينما قال مولانا إن الدين يُقر بطاعة ولي الأمر مهما كانت صفته أو شكله، بلحية كان أو بدون، شعره أصفر أو أسود، مجعد أو أملس، ما علينا هو الطاعة والسير خلفه في هدوء واطمئنان، فالله هو مَن يولي الولاه، والله أبداً لا يختار الشر لعباده الصالحين.

أنا عن نفسي كنت على وشك تصديق هذا العته المُحاك بخبث أصحاب اللّحى الكاذبة التي تصنع من الديكتاتور عادلاً طالما يغدق على لحاهم كمّاً كبيراً من الأموال التي تُسلب من الغلابة المضحوك على عقولهم المَغلوبة على جهلها وفقر معلوماتها، لكنهم يستحقون ما يُفعل بهم، فهم القضاة الذين أصدروا قانوناً برفع شأن مولاهم الشيخ، لمجرد أنه يجول بينهم بهيئة محددة.

ولا تحسب أنني متحامل على رجال الدين بشكل محدد، لا بل أنا أحدد رجل دين أضفى الشرعية على حاكم مُحتل مُغتصب لمجرد أنه يرتدي زي الإمامة، ويخون ثقة المغلوبين على جهلهم.

هل تعلم أن هذا النوع مرتبط بسيده وليس مرتبطاً بالدين أو بالأحرى الهالة التي يُضفيها على نفسه؟ فإن كان اتجاه السلطة نحو إخفاء النساء خلف النقاب وخلف الأسوار وخلف أي شيء، فالسياسة المتبعة اليوم هي التكتم على السيدات، فيقول مولانا: إن الدين يقر بهذه المبادئ، ولكن ماذا يفعل إذا غيّرت السلطة سياساته هذه لتتم عملية اكتشاف حديثة لهذه النساء المخبأة؟ ماذا سوف يقول هذا الأفّاق؟!

في نفس الحارة التي يوجد بها المسجد ومولانا بداخله يُضفي شرعية دينية على سلطة بائدة كان هنالك بيت للزواني، هكذا كان يسمى قديماً، مجموعة من الفتيات ولديهن قواد يجلب لهن مَن يريد، ويحميهن من هؤلاء المريدين، حينما تسمع عن هذه البيوت تنتابك قشعريرة ونوع من الغثيان ويفيض الكيل بك متسائلاً عن الغاية من التشبيه؛ لذا أنصحك بالنظر إلى بقية المقال في هدوء إلى النهاية.

من بين الكثير من العاهرات في هذا البيت نبغت إحداهن بجدارة، فكان الإقبال عليها أكثر، وكانت الغالبية المُقبلة من فئة الشباب فكان الأمر محيراً جداً، ولكن إذا دققنا النظر سوف نجد أنها كانت تضع علم الوطن على ذراعها وشماً أبداً لا يزحزحه الدهر أو الأشخاص، وأعلى سريرها تعلق صورة المناضل الثائر، ولكن الحكم عليها كان عاهرة آثمة، وجهتها جهنم التي يحدثنا عنها مولانا السابق ذكره.

إذا حكمت عليَّ أو على هذه الشخصيات سواء بالإيجاب أو بالسلب فأنت ما زلت من فئة الغلابة التائهين في خضم الصراع حول مجريات الحياة البائسة التي تحيط بنا، فأنا لم أقُل إن رجل الدين سيئ والعاهرة جيدة بل حاولت أن أسلط الضوء على بعض البواطن المخفية داخل كل إنسان مهما كانت هيئته أو وظيفته، فما يهمني هو كونه إنساناً ليس أكثر ولا أقل.

ما أحب أن أفعله هو أن أرى بعيني ما يحدث ولا ألجئ إلى من يشير؛ حيث يجب عليَّ أن أرى وفقاً لما يريد، ما توصلت إليه بعد دراستي لنظريات الإعلام على مدار أربع سنوات هو ألا أصدق إلا ما تراه أم عيني ويصدقه عقلي، فلا أحكم على فصيل بالجور وأتعاطف مع آخر لمجرد أن مجموعة كبيرة تقر بذلك.

لن أتبع رجل الدين؛ لأنه يخطب باسم الاحتلال على الرغم من القبول الذي يحظى به وحفلات التبرُّك به، ولن أحكم على العاهرة بالسلب؛ لأنها عاهرة، ولكني سوف أقدر حبها للوطن، أما مثواها فلا يعلمه سوى الحبيب الأكبر.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد