أنت شمالي؟!

"تعرضنا للضرب والسحل، ومصادرة ممتلكاتنا ثم ترحيلنا إلى محافظة الضالع" يقول محمد الحسني الذي تمثل له عدن وللكثير من المسافرين المرضى والقاصدين الدراسة والعمل جسراً للعبور، أصبح السفر عبر محافظة عدن يشكل هاجساً يصيب الكثير بالهلع، فالنقاط الأمنية هناك المعنونة بأعلام دولة الإمارات وما يسمى بالجنوب العربي هي من تسيطر على الوضع، أقل ما توصف به المعاملة عبر هذه النقاط هي الإهانة والاستهتار بأبناء المناطق الشمالية.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/25 الساعة 04:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/25 الساعة 04:56 بتوقيت غرينتش

أنت شمالي؟!

إذاً سيعرفون من أنت، ولماذا جئت، وربما يأخذون كل ما تملك ثم يقولون لك: "عد من حيث أتيت، فأنت دحباشي"!

المصطلح الأخير – يطلق على أبناء المناطق الشمالية في اليمن – كفيل بصنع مئات الحواجز والعقبات والصعوبات التي يواجهها أبناء المناطق الشمالية في عدن ومعها آلاف الحواجز الاجتماعية بين أبناء المناطق الشمالية والجنوبية في اليمن.

رقية الكبسي، خمسة أعوام، إحدى الحالات التي حرمتها الحرب لحظات الشفاء، ومنعها الحصار من السفر عبر مطار صنعاء، اسمها الأخير وانتماؤها إلى المناطق الشمالية صعّبا الأمر كثيراً على عائلتها في نقلها إلى محافظة عدن في جنوب اليمن، ونقلها عبر المنفذ الجوي الوحيد للعلاج في الخارج.

تعاني رقية من ضمور في الكلية والتواء في الحالبين والحاجة إلى زراعة مثانة، العملية الأخيرة الخاصة بعمل فتحة لإخراج البول التي أجرتها في العاصمة صنعاء لم تكن كافية؛ حيث أوصى الأطباء بنقلها إلى الخارج للعلاج، ولكن لا سبيل لذلك في ظل الظروف الأمنية القائمة في البلاد ومنع أبناء المناطق الشمالية من السفر نحو الجنوب.

"تعرضنا للضرب والسحل، ومصادرة ممتلكاتنا ثم ترحيلنا إلى محافظة الضالع" يقول محمد الحسني الذي تمثل له عدن وللكثير من المسافرين المرضى والقاصدين الدراسة والعمل جسراً للعبور، أصبح السفر عبر محافظة عدن يشكل هاجساً يصيب الكثير بالهلع، فالنقاط الأمنية هناك المعنونة بأعلام دولة الإمارات وما يسمى بالجنوب العربي هي من تسيطر على الوضع، أقل ما توصف به المعاملة عبر هذه النقاط هي الإهانة والاستهتار بأبناء المناطق الشمالية.

سبعون نقطة تفتيش تتبع الحزام الأمني للجنوب، تبدأ من الضالع مروراً بلحج وتحديداً نقطة الحبيلين التي يتم فيها إيقاف أي شخص ينتمي للمحافظات الشمالية بطريقة تعسفية، رغم وجود الأوراق التي تبرر قدومهم للجنوب، وسفرهم إما للدراسة أو للعلاج.

عن تعامل هذه النقاط مع المسافرين، يقول مراد بليم مدير مكتب محافظة الضالع: "نقاط الحزام الأمني تتعامل حسب المزاج بعيداً عن أي مسؤولية أمنية ووفق أهواء شخصية"، ووصف الإجراءات بـ"المتدنية"، وأضاف: نحن نعيش في فوهة وفوضى كبيرة اسمها الشرعية التي لا وجود لها.

يقول: يتم إنزال المسافرين من السيارات وتفتيشهم بشكل مكثف والتدقيق في هوياتهم لحجز الشماليين وإجبارهم على العودة.

ويضيف بليم: "إن هذه النقاط تقوم بإنزال العائلات من حافلات النقل وإيقافهم لساعات طويلة دون أي سبب، ومن لديه وساطة يمر ومن ليس لديه يعود من حيث أتى".

محمد الحسني، صحفي حديث التخرج، الذي صادف سفره الاحتفال بعيد الاستقلال الـ30 نوفمبر/تشرين الثاني، يصف معاملة جنود نقاط التفتيش بـ"المزرية"، لما تعرض له وللصعوبات التي واجهته في هذه النقاط.

حيث يقول: "كنت في رحلة إلى عدن ومنها إلى الأردن لحضور أحد المؤتمرات، وصلنا إلى محافظة لحج وتم إيقافنا في نقطة الحبيلين، تعاملوا معنا بصورة مزرية جدا، أخذوا أجهزتنا الإلكترونية وحقائبنا وفتشت، تعرضنا للضرب والسحل، ومصادرة ممتلكاتنا ثم ترحيلنا إلى محافظة الضالع".

عن هذه الإجراءات القائمة منذ12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي يقول معاذ الشاذلي أحد مشرفي قيادة الحزام الأمني: "الإجراءات التي نقوم بها تهدف لحماية أبناء الجنوب من العمليات الإرهابية القادمة من الشمال"، مضيفاً: "نحن ندخل من له حاجة بالدخول كالسفر والعلاج والتجارة ونادرا ما يتم منعهم إذا وُجدت مناسبة معينة أو حدث أمني".

عدن التي يقول عنها سامي علي الذي يعمل سائق سيارة أجرة بأنها آخر ما يمكن أن تراه عيون الشماليين؛ لصعوبة تجاوز هذه النقاط، ملامحه الجنوبية وبطاقته التي زورها هما من ساعداه على الدخول إلى المدن الجنوبية بسهولة.

وعن كيفية الدخول إلى عدن يقول بليم: "نحن نمنح تصاريح مرور لمن يأتي إلينا من المرضى والمسافرين إلى الخارج سواء عائلات وطلاب، لكن للأسف هذه النقاط بالذات -الحبيلين وجواس- تعمل بطريقة غريبة وتستمتع بإذلال الناس، رغم أنهم يحملون تصريح دخول وبعد جهد جهيد يسمحون للبعض ويمنعون البعض".

هكذا يتعامل الحزام الأمني مع الشماليين وخاصة أبناء صنعاء وصعدة وحجة وعمران وذمار؛ حيث يسمح للعائلات ومعيليها بالدخول للجنوب شرط أن يكون أحد أفرادها منتسباً للجنوب، كالشماليين المتزوجين من الجنوب والعكس.

يحكي الطباخ سعيد عامر أنه عاد من أول نقطة تفتيش إلى تعز ليحضر زوجته الجنوبية وأباها؛ ليتمكن من الدخول لمزاولة عمله في عدن، وبعد نجاح مهمتهما عادا إلى تعز.

في حين يتساءل المسافرون: ما ذنبهم؟ إذ إنه لا يوجد طريق آخر يسلكونه في ظل هذه الأوضاع التي يمر بها البلد وليس لديهم إلا مطار عدن للسفر ومع ذلك مُنعوا منه.

ويوضح الشاذلي سبب هذه الإجراءات بقوله: "ما عانى منه الجنوب من أبناء الشمال ليس قليلاً، ونحن نريد أن نؤمّن الجنوب من هذه التجاوزات".

ويقول محمد العريقي أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز: "هذه الإجراءات تهدد النسيج الاجتماعي وتخلق بأسلوبها بذرة التفرقة والعنصرية والمناطقية"، مضيفاً: "بالرغم من كون هذه الإجراءات تتغلف بغلاف الحفاظ على أمان المحافظات الواقعة تحت سيطرتها إلا أن لها تبعات مستقبلية تهدد المجتمع".

وأشار إلى "أنها إن استمرت على هذا النحو ستؤول في النهاية إلى تفكك وانفصال".

ويعلق أحمد حجي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك – الأردن "أن هذا الموضوع يهدد الوحدة اليمنية بشكل مباشر ويسبب تفرقة عنصرية"، مؤكداً أنه "يجب أن تكون سلطة الدولة في أي جهة سواء سلطة صنعاء أم عدن مسيطرة على هذا الوضع، وليس فقط تجمعات مسلحة تدعى الحزام الأمني لا تخضع لأي قرارات"، ودعا إلى "بسط نفوذ الدولة للحفاظ على الوحدة اليمنية".

جدير بالذكر أن اليمن تعاني من إغلاق منافذها الجوية الجوية والبحرية من قِبَل ما يسمى بالتحالف العربي بقيادة السعودية، في محاولة لإضعاف وتركيع أبناء هذه المناطق لأهدافهم السياسية والعسكرية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد