ضرورة المراجعة.. فى التيارات الإسلامية وقواعدها

هل كان ظهور التيار الإسلامي في الثورات العربية ثم الاتجاه نحو السلطة وإغفال الحقائق المرتبطة بها تاريخياً في مصر خطأ أم صواباً؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/18 الساعة 00:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/18 الساعة 00:05 بتوقيت غرينتش

المشهد الإسلامي سببه الأساسي ووقوده هو شباب المسلمين؛ حيث يدفعون إلى الجحيم بدعوى الجهاد، وقد قدرت بعض الأوساط أن ضحايا المسلمين طوال العقود الأربعة الأخيرة يتجاوز العشرة ملايين نسمة، كما تقدر الخسائر المادية بأرقام فلكية، وكل ذلك بسبب الالتباسات الفكرية والسياسية وفقدان المسلم لصِلته الحقيقية بالدين، ودخول وسطاء في المسألة، كما يُعزى هذا أيضاً إلى الاستتباع السياسي في سياق المؤامرة من جانب الكثير من الحكومات العربية.

وكانت النتيجة تدمير أوطان إسلامية بشعوبها وثرواتها، وتمكين أعداء الدين منه، مما دفع شخصية متوازنة أوروبية وهي المستشارة ميركل الألمانية إلى التندر بأن القاتل والقتيل والأرض إسلامية، والقرآن هو المرجعية، وأن القاتل والقتيل يصيحان وقت القتل: الله أكبر، فهل هو إله واحد للقاتل والقتيل أم أن لكل منها إلهه؟!

اتخذ الدمار الإسلامي صوراً متعددة، وامتد إلى ميادين كثيرة، ولكن المحصلة هي ازدهار صناعة السلاح، واستنفاد الخيرات الاقتصادية في العالم الإسلامي فيها، وضحايا المحرقة هم شباب العالم الإسلامي وشعوبه.

هذه الورقة تهدف إلى بيان الجوانب المختلفة لضرورة المراجعة: معناها – مضمونها – دواعيها – آثارها، وذلك كإحدى الأدوات المقترحة الواجب الملحّ لاستكمال مشروعنا وهو استنقاذ الدين والدنيا والشباب المسلم في ساحات الإرهاب التي دُفع إليها وتمادى القائمون على هذه الحرفة بأسباب متعددة بعد أن أصبح الإرهاب أداة في الصراعات الدولية، كما بلغ النفاق في المجتمع الدولي إلى حد أن يتّحد كله، ولكل دواعيه وحساباته تحت شعار مكافحة الإرهاب، وكلهم يسهمون في تأجيجه، فأصبحت الدبلوماسية الدولية تتبنى مصطلح "الإرهاب الإسلامي"، وهو الساحة الأبرز في ساحات الإرهاب والأكثر إيلاماً واتصالاً بموضوعنا، بعد أن صارت مكونات الدمار كلها تنتسب إلى الإسلام.

وهذه الورقة هي إحدى ثلاث ورقات تشكل الإطار الفكري لمشروعنا الحضاري الاستراتيجي: الورقة الأولى التي نشرناها في هذا الموضوع طالبنا فيها بتفكيك الأسباب التي دفعت الشباب إلى الإرهاب، وتعرية الأطراف التي ارتكبت هذه الجرائم وبعضها عربي إسلامي. هذا المشروع هو إتاحة الفرصة للشباب المسلم لكي يتسابق إلى الحياة بأدواتها بدلاً من السباق إلى الموت والدمار خدمة للآخرين.

أما الورقة الثانية فهي المشروع الثقافي الذي يسهم في سد الفجوات المعرفية المختلفة عند الشعب المصري والشعوب العربية، وهذا المشروع يقضي على التطرف وعلى الحكم الديكتاتوري ويستعيد العقل المنتج عند الشباب خاصة، والشعب عموماً.

أما الورقة الثالثة التي نحن بصددها فتهدف إلى دفع الجماعات والتيارات الإسلامية جميعاً إلى المراجعة الأمينة والدقيقة الشاملة.

معنى المراجعة:
المراجعة تعني إنهاء مرحلة من السلوك ومراجعتها مراجعة دقيقة، واكتشاف أوجه الخطأ فيها، وتشمل المراجعة قطاعين؛ القطاع الأول هو علاقة الحاكم بالمحكوم في الدول العربية، وسلوك الشباب المسلم ونظرته إلى الحاكم في العقود الأخيرة.

يرتبط بهذا القطاع شق آخر وهو المراجعة الدينية الدقيقة في كل الأفكار والاجتهادات التي دفعت الشباب إلى هذا السلوك.

وأظن أن نوعاً من المراجعة قد تم داخل التيارات الإسلامية في السجون المصرية، ولكني أريد أن تكون المراجعة أشمل وأكثر عقلانية، ولذلك لا بد أن يشارك فيها مفكرون غير منتمين إلى هذه الجماعات والتيارات، وأن تكون المراجعة وفقاً للمعايير العلمية سواء المراجعة السياسية أو المراجعة الدينية.

أما القطاع الثاني الذى يهمني في هذه الورقة وهو صورة الآخر عند الشاب المسلم وشكل العلاقات الدولية، ومسالك التكفير بغير المسلم، وغيرها من الموضوعات التي يمكن أن تقي الشباب من المزالق، وتستنقذ الدين والدنيا من المهالك.

وعلى سبيل المثال هل يدرك الشباب المسلم أن واشنطن ودولاً إسلامية زجّت به في ساحات القتال ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان والشيشان وغيرها تحت ستار الجهاد ضد الشيوعية الملحدة؟ وهل يدرك الشباب العربي الذي انخرط في الحرب العراقية – الإيرانية لأكثر من ثماني سنوات أن العراق كان جزءاً من المؤامرة التي انتهت إلى ما انتهت إليه تحت ستار الصراع بين السنة والشيعة، فأصبح القضاء على داعش في الحسابات السياسية انتصاراً للشيعة على الأقليات السّنّية التي شكّلت حاضنة اجتماعية لداعش، فضرب الدين والدولة والوطن بالتعقيدات والتداخلات التي أحكم صنعها أصحاب المؤامرة؟!

وهل أدركت التيارات الإسلامية العربية أن الثورات العربية يجب أن تحرر الأوطان من الحكم المستبد ومن التطرف الديني والسياسي وليس تولّي السلطة لتطبيق مفاهيم معينة؟ وما دور هذه الجماعات في هذه الثورات وكذلك ما مسؤوليتها عن إفشال هذه الثورات وإلحاق الهزيمة بالأوطان؟

هذان المجالان في المراجعة؛ المجال الداخلي السياسي والديني، والمجال الخارجي السياسي والديني يحتاج إلى شجاعة ورؤية، تستطيع أن تتقبل النتيجة، وهي أن الجماعات الإسلامية حاربت الاتحاد السوفييتي في أفغانستان في إطار المؤامرة الأميركية على الإسلام والمسلمين، كما يجب أن يتقبل العقل المراجع أن داعش لعبت دوراً أساسياً في التمهيد لصفقة القرن التي جلبت حكاماً تابعين للولايات المتحدة وإسرائيل وشعوباً أرهقها الغلاء والقمع والإحباط، وتضيع القدس أمام أعيننا ونحن نبسمل ونحوقل ونكثر من قراءة سورة الإسراء، ونعتقد أن هذا يكفي لنصرة القدس.

خصائص المراجعة:

يجب أن تتسم المراجعة بخمس خصائص:

أولاً: الأمانة والشمول والإحاطة.

ثانياً: تنوع الرؤى والزوايا والتمحيص لكل الوقائع.

ثالثاً: الشجاعة في تحمّل النتائج فليس في القرآن تأكيد بأن كل مَن قُتلوا في هذه الساحات شهداء، وإن كانت تلك نتيجة صادمة لكثيرين ممن لا يزالون يقدرون جهاد المتقدمين منهم.

رابعاً: أن تتم المراجعة وفق الأصول العلمية وبشكل مهذب لا ينال من فكر وقدر السابقين، وكذلك تتسم بالإعذار لكل الذين راحوا ضحية المؤامرة الكبرى على الإسلام والمسلمين.

خامساً: يجب أن تتسم المراجعة بالرغبة في التصحيح وليس جَلْد الذات أو خلق عداوات بين المسلمين، كما يجب أن تتسم بالأدب بين الفئات العمرية المختلفة، وتجنب الاتهامات وإلقاء المسؤولية والتلاوم.

أوضحنا فيما تقدم معنى المراجعة، ومن يقوم بها والموضوعات التي تتناولها، والآثار الكارثية لعدم الإقدام عليها وكذلك ضوابط المراجعة.

بقي بعد ذلك أن نشير إلى التحديات التي تحول دون نجاحها أو إجرائها وأول هذه التحديات العقلية الدوغمائية التي ترفض الاعتراف بالخطأ والتي تثق بأنها تستند إلى المطلق.

والتحدي الثاني هو مصادر المعلومات التي تغذي المناقشات في المراجعة، ففيها وجهات نظر، وفيها وقائع تحتاج إلى تفسير مستقيم وليس تفسيراً غائياً.

أما التحدي الثالث فهو الشعور الداخلي عند الأحياء بأنهم لا يريدون أن يظلموا الأموات في باب كانوا جميعاً منخرطين فيه.

التحدي الرابع هو العقلية الضيقة التي تغلق نفسها على مفاهيم محددة ولا تقبل مراجعتها، فإذا كانت الشيوعية إلحاداً، والإلحاد يعني إنكار وجود الله فهي كفر، وأن معتنقيها كفار يجب قتالهم، فإذا انحسرت الشيوعية عن وريث أرثوذوكسي متطرف في وطنيته وفي طائفيته، قالوا إنه العداء الروسي التاريخي للإسلام والدولة العثمانية.

مثل هذه التصنيفات الجامدة والجاهزة تخلق صعوبات كبيرة عند المراجعة، فلا خلاف على أن الأطراف المختلفة التي تحارب الإسلام في صورة الجماعات الإسلامية لها مشكلة مع كليهما رغم أن الولايات المتحدة استخدمت هذه الجماعات لصالحها ربما دون أن تدري إلا أنها ضمن مخططها السياسي تهدف إلى النيل من الإسلام وهذا سلوك رسمي تم رصده وتوثيقه وليس رأياً شخصياً.

وأخيراً.. هل كان ظهور التيار الإسلامي في الثورات العربية ثم الاتجاه نحو السلطة وإغفال الحقائق المرتبطة بها تاريخياً في مصر خطأ أم صوااً، رغم ما يراه البعض من أن التيارات الإسلامية تصرفت بشكل طبيعي ولكن في ظرف غير طبيعي أو تصرفت بمثالية في وقت أذهبت الواقعية كل أثر للمثالية.

وهكذا عشرات القضايا التي تعرض على العقل السياسي بلا توترات، وقد لا تكون الظروف مناسبة، ولكن الفكرة تستحق التأمل والمناقشة.

وأخيراً ننبه إلى أن هذه الفكرة لا علاقة لها بمفاهيم المصالحة وأطراف الأزمة المصرية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد