في ظل الأوضاع العربية الراهنة.. هل تتوافر في حكام العرب الشروط التي قررتها اللجنة الدائمة للفتوى؟

أسأل اللجنة الدائمة للافتاء، سؤلاً مشروعًا، هل الشرائط التى وضعتموها للقائد وولى الأمر، من قوة البأس ورجاحة الرأى والنظر، وعدم الخضوع والخنوع للعدو، والقدرة على مجابهته ومواجهته.. هل ترون هذه الشروط قد توافرت لدى حكامنا اليوم، أم أنها انتفت عنهم؟.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/17 الساعة 04:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/17 الساعة 04:07 بتوقيت غرينتش

فى السؤال السابع والثامن من الفتوى رقم (11780) الموجه إلى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية، كان نص السؤال كالأتى: (هل يجوز لجماعة من المسلمات، اللائى هن أكثر ثقافة من الرجال، أن يصبحن قادة للرجال؟ بالإضافة إلى عدم قيام المرأة بإمامة الناس فى الصلاة، ما هى الموانع الأخرى من تولى المرأة للمناصب أو الزعامة، ولماذا؟).

وكان الرد من قبل اللجنة بعدم جواز، وعللوا عدم الجواز بعدة أسباب، من هذه الأسباب ما يمنع على المرأة تولى منصب الولاية والقضاء … ومنها ما يقرر عددًا من الشروط اللازم توافرها للقدرة على تولى مثل هذه المناصب الكبيرة، وكان من بين هذه الأسباب ومن أهمها كما ذكرت اللجنة فى فتواها ما يلى:

(… ويشهد كذلك أيضا ما دلت عليه التجربة، فيما وقع قديما قبل هذه الأمة، مع قلته ووجود الملجئ الداعى إليه، من تولى بلقيس الملك باليمن فإنها ضعفت نفسها، وانهارت أعصابها حينما وصلها كتاب نبى الله سليمان عليه الصلاة والسلام، رغم أن قومها قد بينوا لها أنهم أولو قوة وأولو بأس شديد، وأنهم على استعداد لحرب من تحدثه نفسه بمناوأتهم، والاعتداء على دولتهم؛ دفاعا عنها، وحفظًا على ملكها، وأن يردوا كيده في نحره، فلم يذهب ذلك ما بنفسها من اضطراب وخور؛ خوفًا على ملكها أن يسلب، وعلى عزها ومجدها أن يذهب، وجبنت عن الجهاد، وحماية ملكها، ورد العدوان على بلادها بقوة السلاح، ورأت أن ترسل إلى سليمان بهدية؛ عسى أن يرضى ويكف عن الهجوم على بلادها، ويحقق السلم والسلام لملكها ولبلادها… فأنت ترى من هذه القصة ما أصاب بلقيس من ذعر وخوف حينما جاءها كتاب سليمان -عليه السلام- وفيه تهديد وإنذار، وأمر بالاستسلام، فجبنت عن مواجهته في ميدان، مع أن قومها أعلنوا إليها أنهم أولو قوة وبأس شديد، ومع أن شأن الملوك الأنفة والتعالى والغيرة على الملك والحرص عليه، ولجأت إلى طريق المخادعة بالمال شأن الضعفاء، عسى أن تسلم ويسلم لها ملكها).

وفضلاً عن كون هذه الفتوى قد وصفت فتح النبى سليمان عليه السلام لهذه المملكة لنشر عقيدة التوحيد، وصفته بأنه اعتداء على ملك غيره، ورؤية السادة المفتين أنه كان من الواجب على الملكة بلقيس أن تواجهه بالسلاح دفاعًا عن ملكها. فضلاً عما يحمله هذا التفسير لهذه الواقعة من ضيق فى الأفق، ولىّ لعنق النص وصرفه عن معناه الحقيقى .. فأنا أعرض عنه، وألتفت إلى الشرائط التى حددتها اللجنة الدائمة للفتوى فى القائد السياسى والعسكرى.

فمن منطلق هذه الفتوى، ومن خلال الشرائط التى وضعتها اللجنة الدائمة للفتوى لإمكان تولى منصب الولاية العامة، والتى لم تتحقق فى الملكة بلقيس ملكة اليمن قديمًا، فكان هذا سببًا ومبررًا كافيًا لعدم جواز تولى النساء ذلك المنصب… كان من أهم هذه المبررات، أنها كانت ضعيفة أصابها الخور والوهن عندما وصل إليها خطاب النبى سليمان عليه وعلى نبينا السلام، ورغم أن تملكت من القدرات العسكرية ما كان يمكن به أن تواجهه وتجابهه -على حد قولهم- فإنها لم تستطع ولم تقدر على تلك المواجهة، وإنما خارت وضعفت، بل وأرسلت إليه هدية -سبحان الله، الحاضر صورة الماضى- أى رشوة لعله يقبلها ويلتفت عنها وعن دولتها وتظل هى حافظة لعرشها ولملكها.

ننظر اليوم إلى ما يفعله حكام العرب، فنرى الحاضر صورة للماضى، تكاد تكون متطابقة، نرى حكامًا ملكهم الله من الموارد والقدرات والبشر، ما يمكنهم من الاتحاد والوقوف أمام أعتى قوى الأرض، ولكنهم آثاروا الفرقة على الاتحاد، لا لشىء إلا ليحفظ كل منهم عرشه وكرسيه.. رأيناهم يسددون مليارات الدولارات كأتاوات للقوى العظمى حتى يلتفتوا عنهم ويتركونهم يفعلون ما يشاءون دون أن يقضّوا مضاجعهم أو أن يثيروا عليهم الشعوب والجماهير.

ورغم أننى لا أوافقهم على تفسيرهم لما فعلته ملكة اليمن بلقيس، لأنها فى رأيى كانت امرأة ذكية بالغة الذكاء وقائدة حكيمة، علمت قوة النبى سليمان وقدراته، فاستشارت كبار رجال دولتها، وأشاروا عليها بالحل العسكرى، فوازنت بين الحل العسكرى والحل السياسى، فرجحت السياسى على العسكرى، فسلمت وسلمت مملكتها .. وإن كان فى هذا دليل ففيه دليل على قدرة المرأة على تولى المناصب العامة، فدلالة الآية دلالة إباحة وليست دلالة نهى ومنع.

ولكنى أسأل اللجنة الدائمة للافتاء، سؤلاً مشروعًا، هل الشرائط التى وضعتموها للقائد وولى الأمر، من قوة البأس ورجاحة الرأى والنظر، وعدم الخضوع والخنوع للعدو، والقدرة على مجابهته ومواجهته.. هل ترون هذه الشروط قد توافرت لدى حكامنا اليوم، أم أنها انتفت عنهم؟.

ورجائى بعد ذلك إلى عامة المسلمين، الذين وجب عليهم الأن من أى وقت سبق أن يعلموا أنفسهم بأنفسهم غير مقلدين على عمى، أن يجتهدوا قدر ما يستطيعون فى اختيار من يسمعون من علماء الدين، وأن يجتهدوا قد المستطاع فى تنقيح أقوالهم لمعرفة الغث من السمين، ومعرفة الحق من الباطل، فهذا هو الطريق الوحيد والأوحد لأن نعيد نهضة الإسلام من جديد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد