تعتبر الجامعات الفلسطينية هي المحرك الرئيسي للثورة الفلسطينية، لما تحتويه من عقول وأدمغة ومفكرين، ولكم في الشهيد يحيى عياش خير دليل، الأمر الذي جعل الاحتلال يفكر بإغلاق الجامعات الفلسطينية كخطوة في الطريق الطويل لكتم صوت الانتفاضة في ذلك الوقت.
لكن المعادلة اليوم مختلفة كثيراً، فالملاحظ أنَّ الوضع بالجامعات الفلسطينية انقلب رأساً على عقب، لقد تَحَوَّل التنافس بين الأطر الطلابية إلى صراع على الأشياء؛ حيث تحول مع مرور وتعاقب الأجيال إلى صراع خدماتي وليس فكرياً ونضالياً بالدرجة الأولى؛ ليتحول إلى صراع منصبي واقتتال على المصالح دون التفكير في الطالب أصلاً، وهذا أول تحدّ يتعرض له العمل السياسي في الجامعات الفلسطينية.
وهناك تَحَدّ خطير يواجه العاملين بالساحة السياسية -العمل في الأطر الطلابية والمشاركة في نشاطاتها سواء الخدماتيَّة أو النضالية- فاليوم الجامعات الفلسطينية تعتبر هدفاً أساسياً للاعتقال والملاحقة الأمنية، حيث أسهم ذلك في ضياع أعمار الطلبة بين السجون، وضياع الحصص والمحاضرات الدراسية وضياع العمود الفقري لبناء المجمع والكنز العلمي الموجود بين صفحات الكتاب، مما أدى إلى تأخر تخرج الطلاب عن زملائهم، وفقدانهم فرصة التميز الأكاديمي؛ حيث أثر ذلك سلباً على الحالة النفسية للطلاب، نتيجة عدم مواكبة الأجيال.
غير ذلك، وبسبب كثرة الاعتقالات اضطر بّعض الطلبة إلى ترك مقاعد الدراسة، والذهاب للبحث عن فرص عمل، أما من أكمل تعليمه الجامعي فسيواجه مشكلة منع السفر، أدى ذلك إلى ضياع فرصة التعليم العالي، سواء درجة الدكتوراه أو الماجستير، وهو ما سيجبره على العمل على الشهادة التي يحملها، دون القدرة على تحقيق الطموحات التي ابتدأ مشواره الدراسي للوصول إليها، والمجتمع الفلسطيني يعِج بهذه الحالات.
وهذا غير حالات الاعتقال الذي يكون قصيراً، كالاعتقال لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية مثلاً، والتي تؤدي إلى ضياع الفصل الدراسي كاملاً، أو فصل لاحق في حالة التأخير عن التسجيل للفصل الجديد، وكلها تؤدي إلى نتيجة واحدة هي تأخر الطالب عن التخرج وتحقيق درجة الامتياز… وهذا التحدي الثاني.
أما التحدي الثالث وهو الحرية الممنوحة للحركة الطلابية من قِبل تنظيماتها الأم؛ فكلما أحكمت الحركة الأم قبضتها على تيارها الطلابي قلَّصت مساحة إبداعه ومناوراته وسعيه لتحقيق إنجازات نقابية على حساب الأجندة السياسية، والعكس صحيح؛ حيث إن إعطاء مساحة من الحرية للكوادر الطلابية تتيح لهم المجال للإبداع في تحصيل حقوق الطلبة بعيداً عن المناكفات السياسية المتعددة.
ورابعاً، حالة التشرذم والانقسام والتفتت بين الكتل الطلابية على أسس واعتبارات حزبية وأيديولوجية، وصلت في نهاية السبعينات والثمانينات إلى درجة الاقتتال الدموي، وتجدد ذلك فعلياً مع بداية أحداث الانقسام، إضافة إلى عملية إقحام الجوانب والأبعاد المطلبية والنقابية وزجّها بالسياسي التي لا يمكن السكوت عنه، ناهيك عن تدخل الأحزاب والتنظيمات السياسية من الخارج وبهذا الزج والخلط بين المطلبي والسياسي تحولت الجامعات من حاضنة للعقول إلى مدرسة جامدة، ومن تصدير الحريات إلى تصدير الأزمات، ومن أداة للتغيير إلى ناقل للأزمات الداخلية الفلسطينية.
وأنا لا أقصد بكلامي أن يتم إيجاد بديل عن الجامعات كحاضنة للعمل التنظيمي، فمن يفكر بهذه الطريقة هو جاهل بمتطلبات المرحلة الحالية، وغير قادر على فهم تعقيداتها وأهداف الجامعات من الأساس، فهي تصقل شخصية الطالب بقدر ما يتفاعل معها، وهي تؤسس لمستقبل جيل كامل، إنما أقصد أن العمل التنظيمي ضروري خاصة للطلبة في المرحلة الجامعية.
لكن قد يكون أحياناً ظروف الانحناء أمام العاصفة هو الطريق الصحيح لبلوغ الهدف؛ لأن معاندة الظروف وتحدي الواقع ليس فكرة جيدة في أفضل الأوقات، والعمل على استيعاب العمل التنظيمي بما لا يتعارض مع النظام الدراسي في هذه الجامعات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.