هل تحوَّلت وعود الرئيس “فرماجو” إلى سراب؟

إن الصومال يملك المقومات الأساسية في شتى المجالات، وما يحتاجه في الوقت الراهن هو التوافق الوطني وتحقيق الاستقرار السياسي في البلد.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/10 الساعة 02:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/10 الساعة 02:04 بتوقيت غرينتش

لقي فوز الأكاديمي والسياسي الصومالي السيد محمد عبدالله محمد فرماجو في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في شهر فبراير/شباط 2017م ترحيباً محلياً وإقليمياً ودولياً؛ حيث خاضت الكيانات والأحزاب المشاركة فيها منافسة شرسة وسط تراجع حدة التحالفات القبليّة عن المشهد الملتهب سياسياً بصورة لافتة للنظر؛ للانتقال نحو بناء شراكة سياسية جديدة تقوم على أسس ومبادئ وطنية جديدة، ولتحقيق مصالحة سياسية بين الكيانات السياسية الصومالية المتشاكسة بغيةَ إنهاء عهد الإقصاء السياسي، وترسيخ دولة المؤسسات بدلاً من تحكم شخصيات على مصير العباد والبلاد.

بيد أن الأزمات السياسية السابقة لا تزال تراوح مكانها برغم استمرار جهود قيادة البلاد في عرض تجاربها في المشهد السياسي الملغوم والمكهرب، إلا أنها لم تنجح في تغيير مسار السياسة الداخلية الصومالية؛ حيث وصلت التجاذبات السياسية بين الحكومة والمعارضة إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما ينذر بعواقب سياسية وخيمة على البلاد إذا لم يتم احتواؤها قبل فوات الآن.

وقد ألقيت الضوء على أبرز التحديات الماثلة أمام القيادة الجديدة، وتعقيدات المشهد السياسي إثر انتخاب السيد محمد عبدالله فرماجو رئيساً لجمهورية الصومال الفيدرالية في مقال نُشر في أبريل/نيسان 2017م، إلا أن أنصار الزعيم فرماجو انزعجوا من المقالة السابقة ظناً منهم أنها بمثابة نذير شؤم لمستقبل العمليّة السياسيّة رغم إدراكهم تلك التحديات الجسيمة والماثلة أمام الحكومة الصومالية الفيدرالية، فحدث ما حذرته في المقالة السابقة!

أما الخطابات والرسائل السياسية الصادرة من القيادة والموجّهة إلى الكيانات السياسية المعتبرة والشعب أيضاً فإنها لم تشفِ العليل ولم تروِ الغليل ولم تطفئ الحرائق السياسية المشتعلة في أكثر من جبهة سياسية، ولم تفتح الأبواب المغلقة أمام أغلب رموز المعارضة السياسية؟ ولم تعثر المفتاح الضائع في بحور أزمات البلاد المتراكمة على الدولة منذ ميلادها عام 1960م! ما يعني أن لعنة التشرذم السياسي قد تحولت إلى ظاهرة وثقافة سياسية يصعب تغييرها، أو تقليل مخاطرها على الوطن في الوقت المنظور.

تحدثت في المقالة السابقة عن التركة الثقيلة التي انتقلت إلى العهد الجديد، دون بروز أفق سياسي، مع ضبابية في الرؤية الداخلية للدولة، مع تكريس ثقافة الانتقام من بعض الكيانات والأحزاب السياسية بإبعادها عن التشكيلة الوزارية القديمة والجديدة، وتحكم شخصيات معينة على القرارات المصيرية للدولة بدلاً من ترسيخ دولة المؤسسات في العهد الجديد.

أسئلة محورية

ونطرح أسئلة حول المحاور التالية وهي: إلى أين وصلت الشعارات الوطنية التي رفعتها القيادة الجديدة أثناء فترة الحملات الانتخابية؟ وهل اتضحت معالم الخطة السياسيّة الصومالية في العهد الجديد؟ وهل تمكنت الحكومة من تشخيص أزمة التجاذبات السياسية أم لا؟

أولاً: إذا كانت الوطنية آخر خندق وحصن للسياسي الصومالي، خاصة أثناء تسويق مشروعه السياسي بغية الوصول إلى كرسي الحكم، فإن معيار نجاحه أو فشله عقب الفوز مرهون بأفعاله وتصرفاته السياسية، وذلك في تعاطيه مع قضايا الوطن الشائكة والحسّاسة، وهنا مربط الفرس وحجر الزاوية؛ حيث تبرز قوة الشخصية الوطنية ومعدنها إلى العلن بدفاعها عن سيادة الدولة واستقلالية قرارها، والكرامة الوطنية، كما تضع مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية، والعشائرية، والفئوية.

لقد كاد فرماجو يجتاز هذه العقبة بشق الأنفس بانتهاج سياسة جديدة في إدارة الدبلوماسية الصومالية والعلاقات الخارجية، ولكنه وقع في حفرة أخرى شديدة الخطورة بدون إداركه ربما، وهي قصة تسليم العقيد عبدالكريم شيخ موسى إلى دولة إثيوبيا بسرعة فائقة وبدون مقدمات ودون إجراء تحقيقات معمقة حول ملابسات الحدث تفادياً من نتائجها وتبعاتها المستقبليّة، بيد أن القصة كانت لها دلالات أخرى، وهي إسقاط رمزية الرئيس فرماجو الوطنية، وتلطيخ نضاله وتاريخه السياسي السابق واللاحق أيضاً.

إن تسليم العقيد شيخ موسى إلى إثيوبيا يعكس مستوى العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وتعاونهما فيما يحقق المصالح المشتركة بينهما وفق رؤية الحكومة الصومالية، إلا أن أديس أبابا وجدت فرصة ثمينة للانتقام من القيادة الجديدة التي وصلت إلى السلطة بسبب رفعها شعارات وطنية ومعادية لإثيوبيا؛ حيث كان انتصار فرماجو في الانتخابات الرئاسية يوماً مشهوداً.

وبرغم إقالة مدير جهاز المخابرات والأمن الوطني الصومالي من منصبه لدوره في القضية ومسؤوليته المباشرة في تسليم الرجل إلى إثيوبيا، فإن قضية العقيد قلب دكح لن تنتهي إلى هذا الحد، بل ستبقى في أذهان الصوماليين إلى أمد طويل، إن لم تكن لعنة وطنية تلاحق المتورطين في القضية.

ثانياً: اتساع رقعة الانقسام السياسي في المشهد الصومالي، وذلك لخمسة أسباب رئيسية هي:

غياب الشراكة السياسية في الحكومة، وبروز تباين وجهات النظر بين الحكومة الفيدرالية وبين الإدارات الإقليمية حول الدستور، والتشريعات الجديدة المعروضة أمام البرلمان، وأزمة الخليج، واللجوء إلى القوة العسكرية في إسكات المعارضة السلمية.

محاولات إعداد بعض أعضاء البرلمان مشروع سحب الثقة من الرئيس محمد فرماجو، ورد الحكومة على هذه الخطوة تعكس مستوى التوتر السياسي والتجاذبات السياسية بين الحكومة والمعارضة، وهو ما لم يكن متوقعاً إلا أن السلطة هي التي خلقت الفرصة الذهبية للمعارضة في وقت مبكر جداً.

إن التعديل الوزاري الطفيف في الحكومة قد يؤدي إلى إخماد بعض الحرائق السياسية ذات الطابع العشائري، إلا أن المرحلة الحالية تتطلب استيعاب بعض رموز المعارضة في السلطة، وإن كانت الأخيرة هي الأقوى إدارياً وسياسياً ومالياً مقارنةً بالمعارضة التي تعاني من شح في التمويل، وغياب رؤية سياسية مشتركة، فضلاً عن سعيهم لإسقاط رئيس البلاد وهو سيناريو آخر أقل ما يوصف به أنه كارثي على الوطن.

ثالثاً: عدم تنفيذ الخطة العسكرية الرامية لبسط الحكومة سيطرتها الكاملة على المناطق الخاضعة لسيطرة حركة الشباب المتطرفة، والهجوم على معاقلها بشراسة، علماً بأن القوى المناوئة للدولة مندفعة وهي في موقع الهجوم على الدولة، بينما الأخيرة والإدارات الإقليمية في موقع الدفاع.

إن الصومال يملك المقومات الأساسية في شتى المجالات، وما يحتاجه في الوقت الراهن هو التوافق الوطني وتحقيق الاستقرار السياسي في البلد.

وبرغم وجود التحديات سالفة الذكر فإن الفرص المتاحة كثيرة، حيث تلقت الحكومة الصومالية دعماً مالياً من بعض الدول الشقيقة والصديقة وتصرف جزءاً من تلك الأموال في إعادة إعمار الصومال، كما تبلورت الخطة الوطنية المتصلة في إعادة هيكلة الجيش الصومالي وإن أحدثت موجة من الردود العنيفة من بعض أعضاء البرلمان.

وقد أحرزت الحكومة تقدماً في ملفات الحرب على الفساد، وصرف رواتب الموظفين، ونزع فتيل الأزمة السياسيّة بين الحكومة الفيدرالية وبين الولايات الفيدرالية، ورفع مستوى التعاون بين الصومال وأميركا في محاربة الإرهاب، وتوجيه وسائل الإعلام الصومالية.

إن أمام فخامة الرئيس السيد محمد فرماجو فرصة لمراجعة مشروعه السياسي، وتقييم أداء حكومته وفريقه، والتعامل مع الوقائع والمعطيات ومخرجات العملية السياسية القائمة على المحاصصة القبلية، وتحقيق مصالحة سياسية، والتي لا تستثني أحداً إلا من أبى، علماً بأن الاستقرار السياسي في البلاد سيتحقق عندما تتوفر ثلاثة أمور هي: الثقة المتبادلة، وتحقيق مصالحة سياسية، وحل الأزمة السياسية بالطرق السلمية والدستورية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد