تنطلق الكلمة حاملة معها آلاف المفردات التي تكون شرارة الوعي، وعنوان الدولة، والطريق الممهد لبناء الرأي العام.
تتزين تلك الكلمات بطابعها الساخر لتعبر حينها عن هموم الشعب وأصوات الثورة ومتنفس الخاضع والمظلوم، وسوط جلاد على جلود أولئك الذين خُلقت من أجلهم السخرية.
النكتة السياسية وعاء يملأه واقع المجتمع ومشاكله تختصر آلاف الكلمات وتزيل عن طريقها المقالات والخطب والتحليلات.
لا تحتاج إلى هوية تنطلق كالسهم يضحك الجميع بينما تحقق هدفها في سرية وهدوء، لا يكاد يشعر بها سوى ذلك الذي وقعت عليه، النكتة السياسية ذلك السوط الذي يجلد به المواطن ساسته، ينتقدهم ويجرحهم بدون أي مخاوف قد تقيد حريته، هي شرارة الثورة واللبنه الأولى لصناعة الآراء حول قضية أو شخصية معينة، تتمرد فيها الكلمة عن حدود اللغة والتعقيد العلمي؛ لتصل بسهولة من وإلى المواطن ليطلقها ضحكات تقتل وتصيب أولئك الذين سخروا من حلم الوطن والمواطن.
النكتة السياسية ظاهرة إنسانية
النكتة السياسية ظاهرة إنسانية تأتي غالباً نتيجة الكبت السياسي والضغوط الاجتماعية، تظهر لتعبر بشكل ساخر عن الواقعة أو الحدث الذي يهم المجتمع بصورة بسيطة وسلسة وتوجيهية، وهي الخطاب الإعلامي السهل الذي يتناوله الجميع بدون رقابة مسبقة وبدون تخطيط متقن تقوم على الفكاهة والتنفيس عن الكبت الاجتماعي للمجتمع.
لهجتها الشعبية وتحررها من الرقابة وظهورها بصورة كاريكاتورية أو بطريقة سردية أو حوار، هي أبرز ما يميزها ويجعلها سهلة وسريعة الانتشار.
تتناول النكتة السياسية جملة من القضايا التي لا يمكن حصرها ضمن قائمة معينة، ولكن هناك نكات ظهرت وانتشرت بالتزامن مع أحداث وأزمات معينة، لعل أبرزها أحداث الربيع العربي والحرب الجارية في اليمن والسخرية من النظام السابق وبعض الأحزاب والشخصيات السياسية والأحداث الاجتماعية كانقطاع الرواتب والمشتقات النفطية وغلاء الأسعار وخطب قادة الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية.
نستطيع القول: إن النكتة السياسية هي صوت الشعب، ولسان حالة تعبّر عن آرائه في الأوضاع الصعبة والأزمات الحرجة، لا تحتاج إلى قواعد معينة ولا وسائل اتصال محددة هي كفيلة بنشر نفسها بين الأوساط.
تنطلق في ظروف سياسية واجتماعية صعبة يحاول الناس من خلالها إيصال كلمتهم والتعبير عن آرائهم حول تلك المواقف.
ولا غبار في كونها -أي النكتة السياسية- ظاهرة إنسانية لا تترك الجوانب المحيطة بها دون أن تمسها وتعتبر مؤشراً واضح لمدى وقع الأزمات على المجتمع ومدى وعي المجتمع من خلال التعبير عن الواقعة التي ألمت به، وتسعى النكتة السياسية إلى إيجاد متنفس بسيط لهذا المجتمع؛ حيث يجد المواطن ما يريد قوله والتعبير عنه من خلال النكتة.
مَن يقف خلف النكتة السياسية ؟
غالباً ما يكون مصدر تلك النكت هم العامة الذين يختلقون الكلمات والأحداث والحبكات للوصول إلى تعبير ساخر عن قضية معينة.
السياسيون أيضاً يقفون خلف النكتة السياسية؛ قد تأتي النكتة السياسية بشكل عفوي، ولكن هناك نكت تصل إلينا كرسالة إعلامية لها أهدافها وأبعادها الأمر الذي يحتم علينا الاعتقاد بوجود أطراف متخصصة في صناعة النكتة السياسية، تلك الأطراف تهدف إلى خدمة موقف حزب أو شخصية معينة وتعمل على استخدام النكتة السياسية في المجال الدعائي والدعائي المضاد.
أداة وعي
تستخدم النكتة السياسية كأداة وعي ومنهج يرافق ظهور الثورات والأزمات، ولهذا أوكلت الكثير من الأنظمة جهات معينة لتحليل النكتة وصناعتها.
النكتة سلاح يمتلكه الشعب يحاول من خلالها محاربة الفساد والشخصيات التي يراها فاسدة، وهي المتنفس الوحيد له من كمية الكبت والضغط وسقف الحريات المتدني.
نستطيع القول هنا: إن النكتة السياسية هي الطفل العاق الناتج عن تلك التقلبات السياسية والأزمات المتلاحقة التي تصيب المواطن والمجتمع وتدفعه إلى التعبير عن ذلك بواسطة النكتة السياسية التي يحاول من خلالها وصف رأيه حول هذه الواقعة بطريقة ساخرة ولاذعة.
النكتة السياسية تعمل إجمالاً على إيصال رسالة واضحة المعالم وسريعة إلى أولئك الذين خلقت من أجلهم النكتة، وإلى جانب إدخالها السرور والفكاهة والضحك فهي تصنع وعياً معيناً ورأياً عاماً حول قضية معينة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.