القدس.. بعيون تركيّة!

الأكيد أن الأمر لا ينحصر في رفع العلم، بل يُرى في عيون بائع الكستناء أو موظف الاستقبال في الفندق أو سائق التاكسي وهو يسأل عن أحوال فلسطين، وهي أمور جميلة ولها دلالاتها، ولكن الأهم أن ترى هذا البريق وهو يتجلى في أعداد الأتراك الذين يُبدون اهتمامًا لزيارة القدس وفلسطين والتعرف عليها عن قُرب، وكثيرًا ما رأيت هؤلاء في أزقة القدس أو حتى في اسطنبول كما في ألمانيا.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/24 الساعة 04:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/24 الساعة 04:06 بتوقيت غرينتش

حين زُرت تركيا للمرة الأولى، لم أكن أفهم حقًّا حكاية هذا الشعب مع فلسطين، فما إن يسألك أحدهم: من أين أنت؟ وتقول: "فِلستِن" حتى يلمع في عينيه بريق يندر أن تراه في عيون غيرهم، وقد تكون هذه مُبالغة، ولكنني لمستها كثيرًا، ليس في رحلاتي إلى تُركيا فقط، بل حتى من مُخالطتي للأتراك في ألمانيا!

المرّة الأولى التي طُلب منّي أن أتحدث عن فلسطين في ألمانيا، لم تكن من اقتراح الألمان بالطبع، فالألمان نادرًا ما يجرؤون على الخوض في أي شيء له علاقة بإسرائيل ونقدها، أما أصحابي الأتراك فكانوا أكثر جُرأة، وحين كُنت أتعذّر من تقديم محاضرة بالألمانية، كُنت أجدهم يُعاتبونني بأن هذه ليست حجّة، وأنهم مستعدون للسماع حتى لو كانت المُحاضرة بلغة ألمانية مُكسرة!

لاحقًا، زُرت اسطنبول أكثر من مرّة، وفي كُل زيارة كُنت أرى ما يُدهشني، ذات مرّة وفي حي الفاتح رأيتهم يعلقون لافتة كبيرة عليها صورة الشيخ رائد صلاح، وفي نفس الحي في مسجد الفاتح وجدت أحدهم كتب على الجدار بخط كبير واضح للجميع: "القدس إسلامية" مع توقيع لرابطة شباب الاناضول المُسلم – كما أخبرني صديق تركي لاحقًا -، أما علم فلسطين فهو حاضرٌ وبقوّة ليس في حي الفاتح، فقد رأيته في منطقة آمينينو كما رأيته يلوّح في حي تقسيم إلى جانب العلم التركي.

الأكيد أن الأمر لا ينحصر في رفع العلم، بل يُرى في عيون بائع الكستناء أو موظف الاستقبال في الفندق أو سائق التاكسي وهو يسأل عن أحوال فلسطين، وهي أمور جميلة ولها دلالاتها، ولكن الأهم أن ترى هذا البريق وهو يتجلى في أعداد الأتراك الذين يُبدون اهتمامًا لزيارة القدس وفلسطين والتعرف عليها عن قُرب، وكثيرًا ما رأيت هؤلاء في أزقة القدس أو حتى في اسطنبول كما في ألمانيا.

في القُدس، وفي ليلة كليلة الإسراء والمعراج، يُمكن ملاحظة أعدادهم الغفيرة ببساطة، كما يُمكن ملاحظاتها في الطريق إلى صلاة الفجر أحيانًا وهم يتحركون في جماعات، أما في اسطنبول فقد التقيت في مطار صبيحة مجموعة منهم في طريقها إلى فلسطين ورأيت فيهم حماسة من يستعد للزيارة المسجد النبوي أو المسجد الحرام في مكّة، أما في ألمانيا فقد التقيت بثلّة منهم تجتمع لسماع مُحاضرة من أحد حراس المسجد الأقصى، ممن لاحظ اهتمام الاتراك بالمسجد الأقصى وقرر التجوال حول العالم بحثًا عن الأتراك ليحثهم على زيارته والتعرف عليه وعلى همومه.

كانت المُحاضرة بالعربية، مع ترجمة تُركية، ورغم وجود عدد من العرب في المحاضرة إلا أن الحضور التركي كان الأبرز، كما أن المُحاضر المقدسي كان واضحًا في توجهه، كان خطابه تُركيًا عثمانيًا، فإلى جانب الأحاديث الكثير التي وردت في فضل الشام والقدس والمسجد الأقصى فقد تطرقت المحاضرة إلى جانب يعني الأتراك كثيرًا في القدس وفلسطين وهو "الأثر العثماني" هناك، وهو ليس بقليل.

فمنذ عهد السلطان سليمان القانون حظيت القدس بمكانة خاصّة جدًا وكان الاهتمام بها واضحًا، وفي عهد هذا السلطان فقط اكتمل مشروع تسوير البلدة القديمة، كما تم حل مُشكلة المياه من خلال مشروع "برك سليمان"، هذا غير مشاريع أخرى مميزة لا زالت نشطة حتى يومنا هذا مثل مشروع "خاصكي سلطان"، وهو المشروع الذي أسست له زوجة السلطان سليمان لتوزيع الطعام على الفقراء وعابري السبيل مجانًا، ومن زار القدس وسأل عن "التكية" فسيجد كيف أن الناس لا تزال تستفيد من بركات هذا المشروع مُنذ 500 عام.

قد لا ينطبق هذا الكلام على بعض الأتراك، ولكنه ينطبق على الكثير منهم، وليس الأمر ينحصر في أنصار أردوغان، فالقدس ودعمها لم يبدأ في عهد أردوغان، بل أقدم بكثير، فقد ساهم نجم الدين أربكان مساهمة جليلة ومن قبله كان للسلطان عبد الحميد الثاني الذي رفض بيع فلسطين ومن قبله السلطان سليمان القانوني، الذي لا زال أحد اهم شوارع القدس يحمل اسمه حتى يومنا هذا!

هذه التدوينة منشورة على موقع الجزيرة مدونات

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد