"أدهم صبري ضابط مخابرات مصري، يرمز إليه بالرمز (ن-1)، حرف النون يعني أنه من فئة نادرة، أما الرقم واحد فيعني أنه الأول من نوعه، هذا لأن أدهم صبري رجل من نوع خاص، فهو يجيد استخدام جميع أنواع الأسلحة من المسدس إلى قاذفة القنابل، وكل فنون القتال، من المصارعة إلى التايكوندو، هذا بالإضافة إلى إجادته التامة لست لغات حية، وبراعته الفائقة في استخدام أدوات التنكر والمكياج، وقيادة السيارات والطائرات وحتى الغواصات، بالإضافة إلى مهارات أخرى متعددة.
لقد أجمع الكل على أنه من المستحيل أن يجيد رجل واحد في سن أدهم صبري كل هذه المهارات، ولكن أدهم صبري حقق هذا المستحيل، واستحق عن جدارة ذلك اللقب الذي أطلقته عليه إدارة المخابرات العامة، لقب (رجل المستحيل)".
هي مقدمة شهيرة، طبعت طفولة ومراهقة وشباب الآلاف من أبناء جيلي، من المحيط إلى الخليج، ممن دفعهم الشغف إلى متابعة جديد روايات رجل المستحيل التي كتبها نبيل فاروق، واستمر صدورها ضمن سلسلة روايات مصرية للجيب لما يفوق العقدين من الزمن.
أدهم صبري رجل مخابرات مصري، تلقى تدريبا خاصا منذ سنوات طفولته الأولى على يد والده الذي قتل على يد الموساد فيما بعد، خاض عدة مهام عسكرية ضمن قوات الصاعقة المصرية إبان حرب أكتوبر 1973، قبل انضمامه إلى جهاز المخابرات العامة، إذ يتم تكليفه بمهام في مختلف أنحاء العالم وتندرج ضمن بند السرية المطلقة، ترافقه فيها زميلة تدعى منى توفيق (طبيعي أن تنشأ بينهما علاقة حب مع توالي السنوات والمهام لإضفاء لمسة رومانسية على الأحداث) ويواجهان عددا من أجهزة المخابرات العالمية، السي آي إيه الأمريكي، الكي جي بي السوفييتي، المكتب الخامس البريطاني، والموساد الإسرائيلي طبعا، بعميلته الأبرز والأشهر، الجميلة الفاتنة سونيا جراهام، والتي تسبب أدهم صبري في طردها من الجهاز بعد توالي هزائمها الشنيعة ضده.
كانت نقطة التحول الأبرز في السلسلة تلك المهمة التي خاضها أدهم في المكسيك، عندما انفجر مقر أحد زعماء العصابات، واعتقد الجميع بأن رجل المستحيل قد لقي حتفه في الانفجار، ليتبين فيما بعد أنه قد بقي على قيد الحياة، لكنه فقد الذاكرة، ولم تنقذه سوى عدوته اللدود: سونيا جراهام!
ربما كانت تلك أفضل شخصية برع الكاتب في بناء تفاصيلها بالغة التعقيد، عندما جمع في قلبها بطريقة مدهشة بين كره هذا المصري الذي أذاقها الهزائم الواحدة تلو الأخرى، والإعجاب الأنثوي برجولته، والذي تحول إلى حب اتضحت معالمه عندما أنقذته من الموت وتزوجته ثم أنجبت منه، موهمة إياه بأنه حبيبها اليهودي، قبل أن يستعيد ذاكرته ويعلم بالحقيقة المرة، فتقرر سونيا الهروب بالابن ومواصلة صراعها الأبدي المرير عبر أرجاء العالم ضد أدهم.
وهو الصراع الذي انتهى بطريقة شبه مفتوحة قبل سنوات قليلة، عندما قرر الكاتب إنهاء السلسلة بطريقة غامضة تصاب فيها منى بجروح بليغة بعد انفجار قالب حلوى زفافها من أدهم، الذي يحملها بين ذراعيه ويقرر الاختفاء معها، دون أن يتمكن أحد من العثور عليهما حتى الآن.
وهكذا تحولت شخصية أدهم – التي رافقت القراء منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي وحتى بداية الألفية الجديدة – إلى شخصية ملهمة للمراهقين والشباب، وفارس أحلام الفتيات، برجولته وقوته وحبه لوطنه وتمريره لعدد من الرسائل الحاثة على الإصرار والتحدي ومواجهة الصعاب، بطريقة مناسبة للقيم والأخلاق العربية الأصيلة، فقد أكد الكاتب نبيل فاروق على أنه لا يقدم في سلسلته ما يمكن اعتباره تعريبا لشخصية جيمس بوند العميل البريطاني الشهير الذي ابتدعه الكاتب إيان فليمنغ وتحول فيما بعد إلى سلسلة أفلام واسعة الانتشار، فأدهم صبري ليس زير نساء ولا مدمن خمور، بل يبغض إراقة الدماء بلا سبب ويؤدي فروضه الدينية بانتظام ويصر على تقديم صورة تليق بمثل أعلى للشباب.
بلغ الإعجاب بأدهم صبري ذروته عندما كشف الكاتب نبيل فاروق في عدد خاص من سلسلة كوكتيل عن أن رجل المستحيل شخصية حقيقية في الواقع، قابلها هو بنفسه، اسمه الحقيقي يبدأ فعلا بحرفي ألف وصاد، من مواليد عام 1951، تحيط المخابرات المصرية مهامه بسياج من السرية، وهو الوحيد الذي حقق نسبة مئة بالمئة في عدد المهمات الناجحة التي خاضها ضد عدد من أجهزة المخابرات العالمية وأبرزها الموساد.
صار حلم عدد من الشباب الالتحاق بجهاز المخابرات العامة، وامتلأ كثيرون بالحماس لذلك، وصار هنالك اعتزاز حقيقي بهذا البطل في وقت يكاد فيه العربي أن يألف طعم الهزيمة المحيطة به من كل جانب، لكن المتابع لمستجدات الأمور سيتبين له أن شعبية أدهم صبري ومعها مكانة نبيل فاروق قد تراجعت بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية، وربما تحول ذلك الإعجاب إلى نفور وسخرية لاذعة وعودة إلى قراءة أعداد السلسلة السابقة فقط لتصيد الأخطاء والكشف عن الفجوات التي بقيت مبهمة في السرد.
فما الذي حصل؟
لا يجب فصل المسار الذي اتخذته هذه السلسلة لنفسها عن السياق التاريخي المرافق، ظهرت سلسلة رجل المستحيل أواسط الثمانينيات، في وقت كانت مصر قد خرجت فيه من تجربة حكم معقدة لأنور السادات، بدأت بحرب ضد العدو الإسرائيلي وانتهت بسلام مفاجئ معه، اغتيل السادات وتولى نائبه حسني مبارك مقاليد الحكم بعده، لتدخل مصر مرحلة جمود، قيدت فيها بمعاهدة كامب ديفيد، وأخرجت بشكل أو آخر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، فأصيب الجميع، خاصة الشباب، بنوع من الإحباط، ليكون من الضروري صنع بطل (وإن كان وهميا) يعيد الالتفاف حول القيادة والوطن واسم مصر إلخ، وقد اعترف نبيل فاروق صراحة بوجود علاقات وثيقة تربطه بجهاز المخابرات المصرية، التي ساهمت إلى حد ما في توجيه كتاباته وأفكاره.
مرت السنين والأعوام، ثم جاءت ثورة يناير 2011 التي أطاحت بحكم حسني مبارك، بعد مظاهرات واعتصامات طويلة لقي فيها عدد من المتظاهرين الشباب حتفهم، وقد اتخذ الكاتب نبيل فاروق منذ البداية موقف المعارض لهذه الثورة والمتمسك ببقاء مبارك في السلطة، عبر تصريحات نارية أثارت حفيظة شريحة واسعة من معجبيه.
تنحى مبارك في النهاية عن الحكم، وبدأت التحقيقات، ليتبين فيما بعد أن المخابرات المصرية كانت ضالعة بشكل ما في قتل عدد من المتظاهرين، فلطخت بذلك صورتها ناصعة البياض، وردد عدد كبير من الشباب بعض التساؤلات المشروعة: "أين هو أدهم صبري؟ هل هذه هي المخابرات المصرية التي أحببناها وافتخرنا بها؟ هل عشنا لسنوات طويلة في وهم جميل اسمه رجل المستحيل؟".
أرى من وجهة نظري الخاصة أن ما حصل كان دليلا قويا على خطورة الانغماس في الوهم، صحيح أن أدهم صبري قدم مثالا يحتذى للشباب العربي، لكن المبالغة في الخيال ضربته في مقتل، وهنا مكمن الفرق وربما تفوق شخصية رفعت إسماعيل بطل سلسلة ما وراء الطبيعة التي ابتدعها الكاتب المصري الآخر أحمد خالد توفيق، وأقام لها القراء جنازة وتأبينا حقيقيين بعد الإعلان عن وفاتها رغم وهميتها (تحدثت عنها في تدوينة سابقة).
ليتضح لنا في النهاية كجواب على سؤال: هل أدهم صبري بطل أم مقلب؟ أن أدهم صبري أقنعنا أنه شخصية خيالية رغم أنها أقرب ما تكون للواقع بسبب الإفراط في تقديمه كبطل لا يقهر، فيما أقنعنا العجوز رفعت إسماعيل بأنه شخصية واقعية رغم أنها أقرب ما تكون للخيال المرتبط بمواجهة مصاصي الدماء والمسوخ، فقط لأن كل خصاله وأمراضه ونقاط ضعفه تنطبق بشكل كامل على أي شخص عادي يقرأ مغامرات رفعت فيجد فيها نفسه!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.