وصلتني عشرات الرسائل باللغة العربية عبر واتساب خلال الأيام الأخيرة يدعوني فيها أصحابها إلى الدعاء لفلسطين. دعوت لفلسطين وجميع أوطاني، ثم بعد؟
قرأت عشرات المنشورات باللغة العربية على فيسبوك التي تدعوني إلى مشاركتها نصرة لفلسطين والتعليق عليها بدعاء لفلسطين؛ لنفترض أنني شاركتها وكتبت: "اللهم انصر فلسطين" معلقاً، ثم بعد؟
مرت على جداري العديد من الحملات المنادية بتغيير صورة بروفايلي على الفيسبوك بصورة للأقصى أو أخرى لعَلَم فلسطين، لنفترض أنني فعلت، ثم بعد؟
إن كل هذه الأفعال متأتية دون شك من شعور نبيل وإحساس ما بالقضية، ولكن اسأل نفسك صديقي: كم مرة أدت الوسائل سابقة الذكر أعلاه إلى تحرير فلسطين، أو ردع الصهاينة، أو حتى أوصلت صوتك إلى الغرفة المجاورة؟ إذا كان جوابك أي رقم آخر غير الصفر فأنت تهذي.
إن وسائط التواصل الاجتماعي أفرزت لدينا شعوراً زائفاً بالإنجاز، فيعتقد البعض أن وضع صورة علم فلسطين بدل صورته على حساب فيسبوك فعل عظيم ينصر القضية، بينما يعتقد آخر أن ذلك أضعف الآن من دون أن يفكر أصلاً في محاولة تطبيق أقوى الإيمان أولاً.
أما ذلك الذي يشارك أصحابه أغاني الثورة وصور القدس وشعارات التنديد عبر واتساب من فوق أريكة تحت الظل، فيؤمن بأنه يبقي القضية حية، والذمم حية، والنضال حياً، في حين أنه لا هو و لا من أرسل إليهم تلك المقاطع عشوائياً اطلعوا على المقطع.
بينما ذلك الذي يكتفي بالدعاء والتمني منتظراً من رب العباد أن يقوم بما خلق لأجله العباد، مؤمناً بأن "الدعاء أقوى من الرصاص"، فلهذا الكائن أقول: لو كان الدعاء والتمني وحدهما كافيين لاكتفى الرسول الكريم بالدعاء من تحت خيمة بدل الخروج في غزوات، وما كان أصحابه ليكلّفوا أنفسهم من بعده عناء الفتح والترحال.
إن كنت ممن يقومون بهذه الأعمال مؤمناً بأنك تنصر أي قضية مهما كانت، فأرجوك أن تصمت! وإليك بعضاً مما يمكنك فعله لنصرة قضية مثل قضية فلسطين:
1- قدّم تبرعات مالية لإخواننا في فلسطين، فالعديد من العائلات تفتقد للمرافق المدرسية والماء والغذاء والعلاج، ليس عليك أن تتبرع بالكثير، فقط تبرع.
2- راسل السفارة الأميركية في بلدك (بالبريد الإلكتروني أو التقليدي) لتعبر عن استيائك من قرار ترامب بشأن القدس، وراسل أي هيئات دولية تعتقد أن لها صلة بالموضوع. اجعل مراسلاتك بالإنكليزية، فهذه الجهات مؤثرة وهي لا تقرأ منشوراتك على فيسبوك ولكنها تقرأ الرسائل التي تصلها.
3- إن كانت كتابة رسالة بالإنكليزية صعبة، استعمل تويتر لتغريدة قصيرة موجهة لحسابات السفارة الأميركية في بلدك أو الهيئات الدولية الأخرى.
4- اقتنِ المنتجات الفلسطينية، فالحصار على فلسطين اقتصادي أيضاً، والقليل مما يصل بلدك من منتجات أهلنا هناك يساعدهم إن اقتنيته وينشط حركة الاقتصاد هناك ولو قليلاً.
5- شارك في المظاهرات المساندة للقضية، وكن سلمياً، فبالإضافة إلى كون التظاهر وسيلة ضغط على الحكومات علّها تتحرك، فهي تصنع صورة تذكر أهلنا في فلسطين أننا لم ننسَهم.
6- إذا قمت بواحد من الخيارات المذكورة أعلاه، يمكنك الآن إرفاقها بالدعاء.
إن العالم الحديث الذي نعيش فيه أخذ شكله الحالي بفضل أفعال وردود فعل الأشخاص الذين عاشوا فيه قبلنا، وبنفس المنطق تغير شكله مستقبلاً أفعالنا وردود أفعالنا الحالية، تماماً كما أتمنى لهذا المقال أن يفعل.
ما يعني أن الأكثر فعلاً في هذا العالم هم من يحددون شكله.
فهل نحن راضون عن شكل العالم الذي نحن فيه؟ إن كنا كذلك، وجب أن تصدر منا أفعال تحافظ على هذا الشكل، وإن لم نكن وجب أن تصدر منا أفعال تدفعه نحو التغيير إلى الشكل الذي نرضاه لأنفسنا، ولكن هل نحن قادرون على ذلك؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.