قدسنا واحدة.. لا شرقية ولا غربية

هي قدس واحدة، لا تصح فيها التجزئة، ولا تخضع لحسابات الكسور والقسمة، فهيهات أن نرضى بنصف قدس!

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/17 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/17 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش

هي قدس واحدة، لا تصح فيها التجزئة، ولا تخضع لحسابات الكسور والقسمة، فهيهات أن نرضى بنصف قدس!

هي قدسنا بشرقها وغربها، جزء لا يتجزأ من فلسطين المحتلة التي لا يملك أحد حق التفريط فيها أو التنازل عن شبر من أرضها من البحر إلى النهر.

لعلنا مع طول العهد نسينا هذه الحقيقة؛ إذ أُريد لنا النسيان، والانغماس في ملهاة أو مأساة جديدة من آن لآن، وما أكثرها!

فما الطارئ الجديد الذي أقضَّ مضاجعنا؟ وعلام نعترض الآن؟ هل احتُلت القدس اليوم بقرار ترامب؟

لا، هي أصلاً محتلة، وفلسطين محتلة منذ عشرات السنين، فما الواقع الذي يغيره نقل السفارة الأميركية إليها؟ ولِم الفزع والغضب لاعتراف ترامب بها كعاصمة لما يسمى إسرائيل؟ وهل نقبل في الأساس أن توجد إسرائيل حتى تكون لها عاصمة؟! أليست تل أبيب وحيفا ويافا -كما القدس- أرضاً فلسطينية يحتلها كيان غاصب؟! مع الاحتفاظ لأولى القبلتين وثالث الحرمين بمكانته وقدسيته، ولكنها كلها أرض فلسطين الواجب تحريرها جميعاً دون اجتزاء.
أي فرق إذن يصنعه تقرير المقرَّر وتحصيل الحاصل؟!

أي فرق تُحدثه كتابة كلمة "إسرائيل" على الخريطة ممن يعترفون بها واقعاً؟ وأي فرق يُحدثه نقل مبنى من مكان لآخر؟ وماذا لو غيّر جوجل وما سواه عاصمة إسرائيل على الخريطة فجعلها القدس بدلاً من تل أبيب؟

كل هذه تفاصيل فرعية لا تغير شيئاً في أصل قناعاتنا ومعتقداتنا. ليرى ترامب ما يرى وليقل ما يقول، فرأيه لا يعنينا، وقوله لا يلزمنا ولا يشغلنا عن قضيتنا الأساسية.

لماذا إذن نثور ونصنع زوابع… في فنجان؟!

إن كنت من المعترفين بأوسلو ومفاوضات السلام "المزعوم" وحل الدولتين فاعترض على قرار ترامب كما تشاء.

أما إن كنت من الرافضين لمهزلة أوسلو وتوابعها، فمجرد الاحتجاج والمظاهرات هو اعتبار لرأيِ أحمق البيت الأبيض، ومحض اعتراف باتفاقية الاستسلام، وتعبير ساذج عن القبول بها.

لعل القلق جائز ومفهوم فيما لو أعلنت دولة لا تدعم إسرائيل ولا تتفق معها في سياساتها تغيير موقفها، أما أن يعلن الأب الروحي لإسرائيل انحيازه السافر لها، فهذا لا يغير شيئاً، سوى أنه يُسقط مزيداً من الأقنعة، الساقطة أصلاً في الحقيقة!

المضحك المبكي في الأمر هو اعتبار أميركا تتخلى بهذا عن دور الوسيط المحايد.. حقاً؟! ومتى كانت وسيطاً بغض النظر عن حيادها من عدمه؟

أما الأنظمة، فلها اتفاقياتها ومبادراتها وحلولها وصفقاتها، وهي تدرك أن خطب ود أميركا يكون عبر التغزل بإسرائيل، وأن رضى الأولى من رضى الثانية، وغضبها من غضبها، فلينددوا ويعترضوا ويحذروا من مغبة الفعل، صدقاً أو ادّعاء.

جميعنا يعلم أنهم متآمرون متواطئون ومعظمهم شركاء في الصفقة، فلماذا نبالي بأقوالهم أو نعول على ردود فعلهم، التي -إن صدرت ذرّاً للرماد في العيون- فسننتقدها ونصفها بالهزيلة والمتخاذلة؛ لأنها لا ترقى لحجم الفعل وخطورته.

مشكلتنا كشعوب أننا نستعجل وننفعل ونأتي بردود فعل عاطفية وآنية، فنثور ونتظاهر ونحتج، ونستهلك كثيراً من صراخنا وزعيقنا وشتائمنا ولعناتنا، ثم ماذا؟
نهدأ ونقبل بالواقع الجديد بانتظار الصفعة المهينة القادمة لنأتي برد الفعل عينه، فما نفتأ نسقط في الحفرة ذاتها ونلدغ من الجحر ذاتها ثم نعود!

لقد خبر أعداؤنا منا ذلك واختبروه مراراً وتكراراً، وأصبحنا بالنسبة لهم كالكتاب المفتوح، فلماذا إذن نصرُّ على أن ننخدع لهم مرة إثر مرة؟!

لماذا نيمِّم وجوهنا حيث يريدون لنا، ونستنزف طاقاتنا في معارك وهمية تشغلنا عن معاركنا الحقيقية؟

لنفرض جدلاً أن ترامب تراجع تحت الضغط عن قراره، وأن محادثات السلام استُؤنفت وأوقف الاستيطان، هل يكون هذا انتصاراً لقضيتنا؟

بل سنشطح بالخيال ونسأل: لو أن دولة فلسطينية قامت غداً على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، هل سنقبل بها؟ إن فعلنا فنحن إذن أول من باع القضية بغير مقابل، ولا يحق لنا إذ ذاك أن نعيب على من باعها بمقابل.. مُجزٍ.

ليس هذا تحبيطاً ولا تثبيطاً ولا تخاذلاً ولا استسلاماً للواقع البغيض، ولكنه حثٌّ على العودة إلى جذور الصراع للوصول إلى غايتنا الأساسية؛ وهي تحرير الأرض كاملةً.

لا ينكر أحد أن القرار الأميركي المهين يثير الشجون ويُدمي القلوب ويستفز المشاعر، فهو لطمة قاسية ومؤلمة تُبرز ضعفنا وهواننا واستهتار العالم بنا، بعد أن هان بعضنا على البعض الآخر.

نعم، نحن أسرى الذل والفُرقة والظلم والاستبداد والتآمر والخيانة، لكننا مع ذلك لن نتنازل عن الحق ولن نرضى بنصف قدس، فاستمِروا في عبثكم الترامبي فهو لا يعنينا، والْهثوا خلف سلام أوسلو الزائف فهو لا يعنينا، وامضوا في صفقات قرونكم فهي لا تعنينا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد