كنا نقول دائماً إن أساس مشاكلنا هي القضية الفلسطينية، ولا نعلم ما إذا كان هذا الكلام صائباً أم أننا نعلّق مشاكلنا ومصائبنا على شماعة القضية الفلسطينية.
فمنذ عام 1948 وإلى وقت قريب، كانت المعارك مستمرة بين الجيوش العربية والجيش الإسرائيلي ومن ورائه كل الترسانات الغربية، وخصوصاً البريطانية والأميركية، ولا ننسى الفرنسية التي شاركت في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
وكل الانقلابات العربية كانت باسم القضية الفلسطينية، حتى وصلنا إلى طريق مسدود. إن الدول العربية مهما جيَّشت الجيوش واستخدمت كل الأسلحة الهجومية والدفاعية فإنها غير قادرة على كسر معادلة التفوق العسكري الإسرائيلي.
ورغم ذلك، بقينا نهدد ونتحدث باسم القضية الفلسطينية، وكان صدام حسين يختم كل كلمة له بـ"تحيا فلسطين حرة عربية"، وراح صدام ولم تحي فلسطين عربية! وخرجت إيران ببدعة يوم القدس، ولم نجد أي تقدم لموضوع القدس! كما تم تشكيل محور المقاومة أو الممانعة ولم نشهد أي ممانعة لإسرائيل في توسعها الاستيطاني بالضفة الغربية والقدس! وتركيا افتعلت أزمة مع إسرائيل بحجة الدفاع عن غزة، ثم عادت إلى علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية! ولم نعد نملك بعد ذلك وحتى قبل ذلك سوى الاحتجاجات والتنديدات.
عندما كانت لدينا دول عربية متماسكة ورصينة وقوية لم نستطع زحزحة إسرائيل عن توسعها في الأراضي الفلسطينية والعربية، فكيف الآن وقد تكالبت علينا الخطوب من كل جانب، حتى أصبح الحديث عن العروبة أو القومية العربية من المحرَّمات؟! وخصوصاً عندنا في العراق، فبعد الاحتلال الأميركي تم طرد العوائل الفلسطينية من بيوتهم بحجة أنهم من مؤيدي صدام حسين، ولم يعد أحد يتذكر أو يذكر القضية الفلسطينية.
في مثل هذه الأجواء، خرج علينا ترامب بقرار الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل وهو يعلم أن القدس قد انصرف عنها العرب والمسلمون؛ لأنهم مشغولون بحروبهم العبثية. كما يعلم أيضاً أن المسلمين قد تحولوا إلى طوائف، إحداها تقتل الأخرى، كما تحول الإسلام نفسه إلى حماية المذهب بدلاً من حماية المقدسات الإسلامية، فمن سيدافع عن القدس العربية والإسلامية؟!
أليست القدس والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين أم أنهم نسوا هذه أيضاً؟! والدول التي تدّعي أنها إسلامية، ماذا بعد ذلك إذا كانت مقدساتهم التي هي عماد وجودهم قد سُلبت منهم؟! والإسلام ليس بالتمني ولا بالتحلي، ولكن بما وقر في القلب وصدّقه العمل، فأين العمل؟!
من المؤكد أن الشعوب العربية والإسلامية ستخرج بمظاهرات واستنكارات واحتجاجات، وربما ستكون هناك انتفاضة جديدة في الأراضي الفلسطينية؛ لأنهم أكثر حرصاً على مقدساتهم من الحكام، وليس في يدهم شيء سوى الاحتجاجات السلمية وإلا فسيُتهَمون بالإرهاب مجدداً وتقوم عليهم الحكومات الإسلامية نفسها لمكافحة الإرهاب الذي أصبح موضة للجم الناس وإسكاتهم حتى عن المطالبة بحقوقهم مثل المادة "4 إرهاب" الشهيرة في العراق.
إننا لا نطالب الدول الإسلامية بالحرب، ولكننا نطالبها بمواقف اقتصادية ودبلوماسية استثنائية للوقوف أمام جريمة سلب القدس والمسجد الأقصى من المسلمين. إن هذه المقدسات شرف المسلمين وهويتهم التي لا يمكن لأحد أن ينتزعها منهم بحجج تاريخية، فنحن أيضاً لدينا تاريخ مقدَّس مع المسجد الأقصى والقدس الشريف.
والقدس ما سميت قدساً إلا لقدسيتها لدى المسلمين والمسيحيين وكذلك اليهود، ولا يحق لأميركا أو ترامب أن يغيروا من مقدساتنا أو تاريخنا أو وجودنا لمجرد أنه يتعرض لمضايقات داخل بلاده. فهذه مشكلته ومن المعيب التخلص منها بهذا السلوك المنحرف والمعادي لأبسط الحقوق والمبادئ الإنسانية.. إنه عمل يرقى إلى السلوك الإجرامي للنتائج التي ستتمخض عنه مستقبلاً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.