يوميات شيطان في جمهورية الموز

كان الشيطان في منتهى القرف؛ لأنه مسؤول عن الإضلال في إحدى جمهوريات الموز، وجمهورية الموز عادة لا يوجد بها نظام سياسي متين يقوم بشؤون الحكم، والنظام السياسي القوي ينعكس إيجابياً على الدولة كلها وعلى تصرفات وحياة الناس أيضاً.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/14 الساعة 04:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/14 الساعة 04:34 بتوقيت غرينتش

في صلاة الفجر:
دخلتُ المسجد لكي أوسوس في الصلاة كعادتي في بداية عملي اليومي، ولكني وجدت أفظع من الوسوسة؛ فقبل قيام الصلاة بقليل، تشابك اثنان من المسنّين على خلفية نقاش لم أحضره، وبدلاً من أن يقوم باقي المصلين (المؤمنين) بفض النزاع، اشتركوا في التعارك، وقد عجبت كل العجب حينما علمت من تراشق الكلمات والسباب أن سبب الخلاف والخناقة التي نتجت عنه، هو قيام إمام المسجد -وكان أحد طرفَي النزاع- بالدعاء في صلاة الفجر في اليوم السابق لكي يفوز فريقه بمباراة القمة!

والعجيب أن الله قد استجاب دعاءه وفاز فريق الإمام، وهذا ما سبب المعركة الحامية الوطيس في المسجد.

وفي الأدبيات الدينية لشعب الموز، لا يجوز أي اعتداء في أماكن العبادة ولو بالحركة أمام المصلين، ومع ذلك وجدت مَنْ يفجر نفسه بحزام ناسف في وسط المسجد، ووجدت الحكام يقتلون المئات والآلاف من المصلين في سبيل إتمام صفقات سياسية!
فما هو دوري الآن في الوسوسة أو في أي شيء؟

في الساعة السابعة صباحاً:
زهقت وقرفت من أي وظيفة أمرني بها أبي للإضلال في طوابير الخبز في الصباح؛ لأني لا أجد أي دور أقوم به، وكان من الأفضل أن أظل طليقاً حراً بلا عمل في هذه الفترة؛ لأني وجدت العشوائية، وعدم احترام الدور، والعراك، والصياح، وأحياناً القتل وإسالة الدماء كما حدث في عام 2008، هو دأب شعب (جمهورية الموز) كما يطلق عليها؛ فأي دور أقوم به بعد تلك المهازل؟!

في الثامنة صباحاً:
يذهب شعب الموز إلى عمله، وكل همّي أن أحرش بينهم حتى يصلوا إلى عملهم بغير سلام، ولكني لا أقوم بأي دور؛ لأن الشعب الموزي لا يحتاج إلى أي تحرش، فهم يتحرشون ببعضهم (لأهيف) الأسباب!

أما في الزحام وفي المواصلات، (فثقافة الزحام) هي السائدة، والتحرش يصل إلى درجة (التحرش الجنسي) الشائع في جمهورية الموز العريقة التي يدعي شعبها أنه (متدين)!

وأقذر تحرش رأيته في الزحام، هو تحرش مسن (في الستينات) بفتاة عمرها من أعمار أحفاده! ما هذا؟! أنا (الشيطان) لا يحدث لي أي إثارة جنسية من (شيطانة صغيرة) في عمر ابنتي، فكيف يتحرش هذا (المجنون) بفتاة هو يعتبر جدها؟!

وفي بعض جمهوريات الموز، أجد السائق يضع قدمه اليسرى على الشباك أثناء قيادته للسيارة، فهل يحتاج هذا السائق إلى غواية وهو عبارة عن قنبلة متحركة ستنفجر في أي لحظة؟

في العاشرة صباحاً:
العمل الذي تقوم به شعوب جمهوريات الموز قليل، و(الزوغان) من العمل هو دأب هذه الشعوب العريقة، أما تعطيل مصالح الناس فهو غاية الموظفين، غير الرشاوى، والمحسوبيات، والفساد الرهيب؛ لدرجة أن (المسؤول عن مكافحة الفساد) يُطرد من عمله، ويحاكم بتهمة تشويه سمعة جمهورية الموز!
وفي بعض جمهوريات الموز، يتجمع الموظفون لطعام الفطور لمدة تزيد عن الساعة. ما هذا؟!

وفي المستشفيات الحكومية، أجد الأطباء يحولون المرضى إما إلى العيادات الاقتصادية (التي برسوم بكبيرة)، أو يحولونهم إلى عياداتهم الخاصة، حتى أساتذة الجامعات تركوا بحوثهم العلمية -إن كان لهم بحوث- وركزوا في عياداتهم الخاصة والعديدة التي تجلب لهم المال الوفير على حساب مرضى، أنا لم أرَ (شيطاناً طبيباً) يجعل كل همه للثراء على حساب شياطين مرضى (غلابة)!
فبعد هذه المهازل والمساخر، ما هو دوري يا أبي؟! أليس الأفضل أن أستريح في هذه الساعة؟ الله يحرقك بالجاز في نار جهنم..

في صلاة الظهر:
لا أجد ما أكتبه لأني لا أقوم بأي عمل منذ أن فُجعت أنا وزملائي الشياطين من مجازر حدثت عام 2013 أثناء صلاة الظهر في فضّ مظاهرات، يتأفف منها أبي، الشيطان الأعظم ذاته. أصعب شيء رأيته هو قتل طفلة رضيعة وأمها أمام عيني، ومن بعدها لم تكتحل عيناي بالنوم!

وأصعب منه، هو السعادة التي ترفرف في روح هذا الشعب الموزي المتدين والسعيد بقتل المخالفين لهم سياسياً أو دينياً. وفي السنوات الأخيرة، ما انفكت المجازر تترى وخاصة في البلدان المسلمة؛ حتى كرهت لون الدم.
أعوذ بالله من بني الإنسان.

أما الموظفون، فيقتلون أكبر وقت من الدوام بحجة الصلاة، ودوري في إغوائهم (بالوسوسة في الصلاة)، تافه جداً أمام كبائرهم وجرائمهم الأخلاقية.

الساعة الثالثة بعد الظهر:
شعب الموز يعود من عمله ويختنق المرور ويقل الهواء المنعش، ويعود هذا الشعب ويصاحبه (العرق اللزج) صيفاً، و(الكآبة والقرف) شتاء؛ وهذا يجعلني أبتعد عنه حتى لا أصاب بالقرف والكآبة أكثر مما بي من هذا الشعب الموزي الكئيب.

الساعة الخامسة بعد العصر:
يفترش الشعب الموزي المقاهي المنتشرة جداً في كل أرجاء بلدهم، وهو لا يحتاج أي غواية منا نحن الشياطين؛ فهم عبارة عن شياطين لا يغضّون البصر، ويقهقهون بأعلى الأصوات، ويسخرون من المارة أمامهم، ويسخرون من بعضهم البعض، ويلعبون الميسر، ويشربون المحرم في دينهم من الدخان والحشيش والمخدرات بأصنافها المتعددة، وأحياناً يتشاجرون على أتفه الأسباب.

الساعة التاسعة مساء:
بعدما يتعشى هذا الشعب المتدين، فبدلاً من شكرهم لخالقهم الذي رزقهم وكساهم وأطعمهم، إذا بهم يبدأون بحملات مشاهدة أفلام (البورنو) الخليعة الماجنة! فأي غواية أقوم بها؟ نحن الشياطين نتأفف من أفعال الإنسان (الرجيم)!
والعجيب أن نساء هذا الشعب المتدين، حريصات على مشاهدة هذه الأفلام أكثر من الرجال!

أقسم بالله أن الشعب الموزي عجيب في تدينه؛ فهم حريصون كل الحرص على تعليق رموز الدين الذي يدينون به في السيارة، وفي بيوتهم، وحتى في (بلكوناتهم)، وفي المناسبات الدينية المختلفة مثل (الأعياد)، وفي ذات الوقت، هم لا علاقة لهم بالدين سوى الشكل الخارجي.

الساعة الثانية عشرة صباحاً:
في هذه الساعة، أذهب لأبي بالتقرير اليومي وهو عبارة عن رصد لأحداث اليوم والغواية التي قمت بها وهي قليلة جداً؛ لأن شعب الموز لا يحتاج إلى غواية؛ (فثقافة الزحام) وما ينتج عنها من موبقات أخلاقية واجتماعية وسياسية لا تحتاج إلى غواية من الشياطين.

شعوب تعبد حكامها
وبالرغم من كل هذه الموبقات، فشعب الموز يعبد حاكمه دائماً، ويعتقد أنه على صواب وحنكة سياسية بعيدة المدى بالرغم من الدمار السياسي والاجتماعي والأخلاقي والثقافي والتخلف الحضاري العنيف.

وما برح شعب الموز يهتف بحياة زعيمه، بالرغم من استخفاف الأخير بالأول دائماً، غير اغتصابه للسلطة وضحكه على (الأول) وهتافه له (إوعوا حد يضحك عليكم)، وهو يضحك ويكذب عليهم دائماً؛ فيقول (ليس لدينا غرض في حكم البلاد)، وهو قد بيّت النية على الحكم الديكتاتوري المطلق، ويقول: (مش حكم عسكر)، والحكم عبارة عن عسكر وحرامية، ويقول: (هو أنا ضيّعتكم من قبل)، وهو قد ضيّع شعبه وأرضه ومقدراته وثرواته وحتى مياهه!

الشيء الوحيد الرائع في جمهورية الموز:
هو القمامة والقذارة في كل مكان حتى في لغة وأخلاق شعب الموز، فهذا هو الشيء الوحيد الذي يعجبني في هذه الجمهورية الموزية العريقة؛ لأنني وكل الشياطين، لا نحب العطور والروائح الطيبة واللغة الراقية والأخلاق المهذبة الفاضلة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد