الذي جاء بالدبابة لن يرحل بالانتخابات

وأي رئيس سيأتي بعد السيسي سيرث تَرِكة اقتصادية وسياسية مثقلة ينوء بتحمّل تبعاتها أشد الرجال، وأي نظام حاكم سيأتي بعد نظام السيسي سيعمل على غسل يديه من كل تلك الجرائم، وبالتالي يعلم السيسي علم اليقين أنه وبمجرد خروج إحدى قدميه من قصر الرئاسة فإن القدم الأخرى ستلج إلى السجن وربما أبعد من ذلك.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/14 الساعة 03:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/14 الساعة 03:52 بتوقيت غرينتش

السيسي فرض نفسه على الجميع

عندما رتبت الدول الخليجية الداعمة للثورة المضادة في مصر الانقلاب العسكري، كانت خطتها تقضي بعودة الفريق أحمد شفيق الممثل المناسب لمصالح الدولة العميقة والخليج الذي كان يدير جانباً كبيراً من الثورة المضادة، وذلك بصيغة قانونية تقرها المحكمة الدستورية؛ حيث إنه المرشح الثاني بعد الرئيس المنتخب (محمد مرسي) على أن يبقى الجيش حامياً لهذا الاختيار وضامناً له، وحتى عندما عبّر السيسي عن رغبته في الترشح عارضته الإمارات علانية؛ حيث صرح الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي، طالباً من السيسي أن يكون وزيراً للدفاع فقط، وضامناً لعدم عودة الإخوان.

وعلى الجانب الآخر في الغرب (أميركا وأوروبا) فقد تبيّن من سيل التصريحات التي خرجت من كاترين آشتون واتفاق (البرادعي) و(ليون) أن السيسي لم يكن في الحسبان.

https://www.youtube.com/watch?v=U_IX1BgBfNs

فقد كانت خطة الغرب تقتضي أن يتولى الحكم التيار العلماني (المدني) بمساعدة الجيش، وأن يتنازل الرئيس مرسي عن صلاحياته للبرادعي كرئيس وزراء، كان ذلك في اتفاق مكتوب وقّع عليه واعترف به محمد البرادعي فيما بعد، وقد كان هذا الاتفاق أيضاً يتضمن دمج الإخوان والإسلاميين في العملية السياسية بعد تقليم أظافرهم وتحجيم دورهم، وذلك لتجنب العنف المتوقع لخروجهم من لعبة السياسة.

إلا أن السيسي فرض نفسه على الجميع، ربما بدافع الطموح الشخصي أو بضغط الحاشية التي أحاطت به وصنعت منه نجماً شعبياً في أيام قليلة.

أياً كانت الأسباب، لكنه بالفعل جعل نفسه الرقم الأكبر في اللعبة، وبالتالي تقبّل الجميع الأمر الواقع المفروض عسكرياً.

كان الثمن فادحاً

لا ندري بماذا وعد السيسي القوى الإقليمية والدولية حتى يحصل على موافقتهم لتولي الرئاسة؟ ولكن الشواهد التي تلت توليه مقاليد الحكم تثبت أنه وعد بالكثير على حساب الشعب ومستقبل الوطن، فقد قدم السيسي تنازلات لم يجرؤ أي حاكم مصري قبله على تقديمها حيث:

* حقق حلم إسرائيل الأمني ودمر مدينتي رفح والشيخ زويد وهجّر أهلهما ليجعل منها منطقة خالية من الحجر والبشر.

* تنازل عن حقوق مصر في ثروات الغاز بالبحر المتوسط لصالح إسرائيل وقبرص، وتنازل عن آلاف الأفدنة لصالح جهات أجنبية.

* تنازل عن حقوق مصر التاريخية في النيل بتوقيعه اتفاق مبادئ مع إثيوبيا -غير مبرر- وبغير دراسة واستشارة متخصصين.

* تنازل عن جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين بالمخالفة للدستور وأحكام القضاء النهائية.

* يتحدث الآن عن صفقة القرن التي تقضي بالتنازل عن جزء من سيناء يتم توطين الفلسطينيين به، وتصفية القضية الفلسطينية وحقوق اللاجئين.

تبين أن ثمن اعتماده رئيساً كان فادحاً وربما سيكون ثمن استمراره رئيساً أكثر فداحة، وعلى حساب الشعب ومستقبل الأجيال القادمة.

أزمة الجنرال

قال الجنرال: (مصر أُم الدنيا وهتبقى قد الدنيا)، وعندما سألوه عن برنامجه الانتخابي قال مستنكراً: (مش انتم اللي قلتم لي اترشح؟! جايين دلوقتي تسألوني عن برنامج؟!).

حصل السيسي من الخليج في سنة واحدة على دعم مالي واقتصادي لم يحصل عليه حسني مبارك خلال الثلاثين عاماً من حكمه، وساندته آلة إعلامية ضخمة، ودعمه الغرب وتغاضى عن الانتهاكات والمذابح التي صاحبت بداية حكمه، وكان بالفعل يحظى بتأييد ظهير شعبي قوي بين المصريين… ولكن آل كل ذلك إلى نتائج فادحة.

فبين تهاوي العملة المحلية وتضاعف أسعار المقومات الأساسية في حياة المصريين أضعافاً مضاعفة، كان السيسي يخرج بين حين وآخر بالإعلان عن مشاريع ضخمة تصاحبها حملات دعائية أضخم منها، وتحقق بالفعل زخماً شعبياً ودعائياً هائلاً، ولكن كما يتبدد السراب يتبدد تأثير هذه المشاريع، ولا يشعر الناس بأي تحسن اقتصادي، واستدانت الدولة المصرية خارجياً وداخلياً بأرقام تعجز عدة أجيال عن سدادها.

وعندما طلب تفويضا لحرب (الإرهاب المحتمل) أصبح الإرهاب واقعاً مريراً تعاني منه مصر ويرتع في كل أرجائها، وصار نزيف الدم من جنود الجيش والشرطة وعموم المواطنين ومهاجمة الكنائس والمساجد حدثاً معتاداً.

وتم وأد السياسة في عهده، فلم يعد هناك معارضة ولا حتى من النوع المستأنس الذي صنعه نظام مبارك من قبل، وتمت مصادرة المجال العام تماماً.

إن صفة الاستقرار تنتفي عن تلك الدولة المحكومة بهذه الأنظمة الفاشلة -التي أتت على ظهر الدبابة- ويبقى النظام طالما أنه يملك السلاح ويمارس القتل.

" ربما كانت الدبابة وسيلة جيدة للانقلاب العسكري، ولكن التاريخ يشهد أنها وسيلة فاشلة للاستمرار في الحكم".

لعبة العروش والمعادلة الصفرية أمام السيسي

قبل أن يجلس السيسي على كرسي الحكم في مصر تم قتل ما يقرب من ألفَي مصري في مجازر متعددة، وخلال تظاهرات معارضة وقبل أن يدخل قصر الرئاسة كان يقبع في سجون مصر ما يقارب العشرين ألف معتقل -تضاعف العدد بعد توليه الرئاسة- لذا فقد كانت البدايات عنيفة ودموية.

وبعد سلسلة الفشل الاقتصادي والسياسي وتقزيم دور مصر الإقليمي تحكمت بها دول الهامش التي لا يبلغ تعدادها سكان حي من أحياء القاهرة.

وأي رئيس سيأتي بعد السيسي سيرث تَرِكة اقتصادية وسياسية مثقلة ينوء بتحمّل تبعاتها أشد الرجال، وأي نظام حاكم سيأتي بعد نظام السيسي سيعمل على غسل يديه من كل تلك الجرائم، وبالتالي يعلم السيسي علم اليقين أنه وبمجرد خروج إحدى قدميه من قصر الرئاسة فإن القدم الأخرى ستلج إلى السجن وربما أبعد من ذلك.

المسرح والمسرحية

لا يمكن أن يلعب السيسي لعبة الانتخابات نهائياً، فهو لن يغامر ولو بنسبة الواحد في المائة، فهو يعلم كما الجميع يعلم، أنه الآن بلا شعبية، اللهم إلا القلة القليلة المنتفعة من نظام حكمه، ولذلك فإن أي انتخابات قادمة لن تكون سوى مجرد شكل إجرائي تقتضيه الدول التي يحكمها النظام الجمهوري، بل ولن يسمح بترشح أحد أمامه إلا أن يكون (كومبارس) يرتضي هذا الدور؛ ليكون مجموع الأصوات الباطلة أكبر من عدد الأصوات التي سيحصل عليها، كما حدث مع مَن رشح نفسه أمام السيسي في المسرحية السابقة.

ولذلك نرى الشراسة التي يتعامل بها هو ونظامه والخروج عن كل قواعد القانون والعقل مع مَن يفكر جدياً في الترشح لرئاسة الجمهورية ويكون له وزن وتأثير محتمل، كما حدث مع (الفريق أحمد شفيق).

بل وربما لن يضطر إلى حتى إقامة المسرح من الأساس؛ حيث إن هناك اتجاهاً للتمديد المباشر له عن طريق سنّ قانون بذلك فيما يسمى بمجلس النواب.

لذا فيجب أن ننسى لعبة الانتخابات في مصر، وأيضاً علينا أن نستيقظ من أحلام التغيير السياسي التي ربما تأتي لأحدنا في منامه؛ لأن الواقع والمنطق يقول:

"إن من أتى للحكم على ظهر الدبابة لن يترك الحكم بصناديق الانتخابات".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد