ماذا تعني انتفاضة صنعاء؟!

هل يُمكن التعامل مع "انتفاضة صنعاء" كأداة للسياسة الخارجية، وذلك على افتراض أن دور العوامل الاجتماعية يمكن أن يكون أكثر حسماً في فهم التغير بالسياسة الدولية؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/10 الساعة 04:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/10 الساعة 04:26 بتوقيت غرينتش

هل يُمكن التعامل مع "انتفاضة صنعاء" كأداة للسياسة الخارجية، وذلك على افتراض أن دور العوامل الاجتماعية يمكن أن يكون أكثر حسماً في فهم التغير بالسياسة الدولية؟

فبالنظر إلى حالة الشرق الأوسط في هذه المرحلة، سيكون من غير المجدي محاولة فهم أنماط العلاقات بين الفواعل الدولية بالمنطقة، من خلال التركيز على العوامل المادية كموازين القوة العسكرية، والمصالح الاقتصادية، والارتباطات الإقليمية أو التقديرات الاستراتيجية، فقط دون التعامل مع السياقات المعرفية المتعلقة بالاستقطاب الطائفي في المنطقة، وكيف يتأثر ذلك الواقع مع موجة استقطاب القوى الإقليمية والعالمية على حد سواء.

ومن ثم، فإن نتاج تلك الانتفاضة قد يظهر بصورة واضحة من خلال توجهات، وأهداف وأدوات السياسة الخارجية وانعكاساتها على السياسة الداخلية. ويتجلى ذلك من خلال إيجاد العلاقة بين أنماط التأثير والتأثر؛ لصعوبة إيجاد الحد الفاصل بين موجهات تلك السياسات.

لكن المشهد السياسي في اليمن عموماً قد يُعبر عن تيارات متنامية في المجتمع العربي، وإن كانت قد تعرضت لانتكاسة متوقعة من عواصف الربيع العربي (1)، والتي أدت إلى انحسار المشاعر الطائفية وصعود القيم الوطنية، وأصبحت تلك العوامل إحدى ديناميات الصراع الدائرة في المنطقة العربية، وبذلك أصبح الفاعلون الأساسيون المتصارعون جماعات بشرية تتحرك خارج نطاق دائرة الفاعل الدوْلتي، ولا تتماهى سياساتها مع الدولة.

وهكذا أزاح ذلك الحراك (الانتفاضة الشعبية والقبيلة) الغطاء عن عمق "المسألة الطائفية والقبيلة" التي أضحت تتقاطع مع المجال السياسي، الذي تبدت ملامحه من خلال التوتر الخفي بين المؤتمر الشعبي العام وجماعة الحوثيين، وأدى إلى انفجار الوضع كرد فعل على غياب سياسات حقيقية للاعتراف بأفق العيش المشترك في ظل تعقّد الوضع السياسي لما بعد الحراك؛ لكونها تعاملت مع هذه المرحلة من منظور إدارة المرحلة الانتقالية في مواجهة سطوة المركز، وألقت بظلالها على مأزق الدولة المركزية، وخلقت بيئة دافعة للامركزية في صورها الإدارية والسياسية المختلفة.

ومن ثم، أوجدت ازدواجية في آليات التعامل مع المرحلة، والتي قد تفرض تساؤلاً جوهرياً حول أولويات إدارة تلك المرحلة الانتقالية، ماثلاً في: هل يُمكن التعامل مع أدوات ثقافية أم أدوات سياسية؟ متعلقة بالتعامل مع طبيعة النظام السياسي نفسه في إطار إلقاء الضوء على علاقة الأنماط المعنيّة بالسياسات (الداخلية والخارجية) ودورها بالتحكم في مجريات الأمور المستقبلية، والذي قد يُمثل "البعد المهمل" لذلك الدور، وأدى إلى خلق علاقة غير مستقرة.

وقد غذّى هذا النمط من العلاقة عدم بذل الجهد المطلوب للوصول إلى مساحات مشتركة واسعة تحاصر مساحات الاختلاف بين الطرفين، ونجم عنها تمظهرات وتفرعات متصلة بذلك البعد، الذي يُمكن النظر إليه من خلال التعاطي الحذر مع دعوات الإصلاح (2)، والتوجس من التدخلات الخارجية.

وما "انتفاضة صنعاء-2017م" إلا أحد جوانب ذلك البعد، الذي قد يَعزوه البعض إلى "صورة الفراغ الجيوسياسي" العربي؛ ولذلك قد تكون الإجابة عن ذلك التساؤل الجوهري مدخلاً لقراءة النزاع السياسي أو دليلاً لفهم الأزمات الاجتماعية؛ لكون الخطاب السائد في هذه المرحلة يتسم بالانفعالية، ويصعب من خلاله إنتاج مضامين سياسية. إلا أنها قد تُشكل الإطار المعنيّ بالتحول السياسي (3) في مرحلة انتقالية، وتَعبر به الدولة إلى فضاء للتفاوض وتقاسم الموارد.

ومن هنا، قد ندرك أو نُوجد مؤشرات تعاظم الدور السياسي للقبيلة ومرجعيتها المذهبية.

(1) ذلك أنّ "الربيع العربيّ" في خطاب هذه الصحافة العالمية هو الربيع الذي سيعقدُ دولاً وسياساتٍ اقتصاديّة على شاكلة الليبراليّة الغربيّة، ومن ثمّ دفاعهم المتخيّل عن "ربيع عربيّ" و"ديمقراطيّة" تمّ إجهاضها هو دفاع عن غربٍ يتمدّد في حاضر العرب ودولهم، وليس عن "ربيع عربيّ" مناهض ومكافح للغرب، ولكلٍّ سياساته الاقتصاديّة وللخروج من التبعيّة.

ولذلك، حتى النّقد الموجّه لأميركا مثلاً حيال الربيع العربيّ، ليس نقداً يتعلّق بأنّها خرّبت هذه البلدان ولا بدّ من إيقاف الإمبرياليّة؛ بل هو نقد في حقيقته، بغير وعيٍ، يساند هذه الإمبرياليّة: بأنّه لماذا لم تتدخّلي كـ"أميركا" كحلّ لنزاعات الشرق الأوسط وتعيين "معتدلين" يرعون المصالح لا أكثر.

ومما هو متّصل بذلك، هو أنّ تصدير جماعات الإسلام السياسيّ "المعتدلة" -بوصفها تشكّل خطراً على "الغرب"- هو كلامٌ لا يقوله إلّا من لا يريد أن يعرف الواقع فعلاً، فـ"المعتدلون" الإسلاميّون موضع ترحيب وإشادة دائمة من هذه الصحافة ومراكز الأبحاث "العلميّة".

(2) وربما الأكثر أهمية أن هناك قضايا اقتصادية نسقية، لا تتعلق باليمن فقط، ولكن تنتمي إلى النظام الدولي للتمويل ورأس المال. اليمن -كحال دول العالم الثالث الأخرى- هو رهينة في الوقت الحالي للأزمة الاقتصادية العالمية وللضغط الهائل الذي وُضع على تلك البلدان من قِبل المؤسسات الدولية (مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) والقوى الجيوسياسية (الولايات المتحدة وأوروبا الغربية) لمقاومة الرغبة الاجتماعية في إصلاحات اقتصادية تقدمية.

(3) هناك مسألة تحول النظام السياسي من الداخل من أجل إنشاء بنية ديمقراطية لا تتضمن إصدار قوانين وإجراءات انتخابية جديدة فحسب؛ بل وسنّ قوانين تعالج مطالب المجتمع الديمقراطي.

* للتأمل:
– الحروب عبارة عن اشتباك بين فريقين لا يعرف أحدهما الآخر. (علي شريعتي)
– "أحياناً في سفري
أنسى خجلي البدويّ
وأخلع ثوبي في العربةْ
أحياناً في حمّى النسيان أصارعني
وتكون لي الغلبة".
"أحبك، بالسهولة ذاتها التي يشنّون بها حرباً، وللأسباب الغامضة ذاتها".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد