عن تدبير السياسة الخارجية بالمغرب وسؤال دمقرطة الدولة

منذ مدة ليست بالقصيرة والخطاب الرسمي للحكم بالمغرب يتركز على توجيه الجهود والاستراتيجيات والسياسات نحو العالم الإفريقي، ولنا أن نتساءل: أين صنعت عناصر هذا الخطاب الرسمي؟ وأين تشكلت هذه القناعات الجديدة بضرورة تولية قبلة العلاقات الخارجية صوب أفريقيا؟ وهل تشكلت من داخل النقاش العمومي المؤسساتي الرسمي برلماناً وحكومةً ومجتمعاً مدنياً وسياسياً؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/09 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/09 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش

منذ مدة ليست بالقصيرة والخطاب الرسمي للحكم بالمغرب يتركز على توجيه الجهود والاستراتيجيات والسياسات نحو العالم الإفريقي، ولنا أن نتساءل: أين صنعت عناصر هذا الخطاب الرسمي؟ وأين تشكلت هذه القناعات الجديدة بضرورة تولية قبلة العلاقات الخارجية صوب أفريقيا؟ وهل تشكلت من داخل النقاش العمومي المؤسساتي الرسمي برلماناً وحكومةً ومجتمعاً مدنياً وسياسياً؟

شيء من تاريخ تدبير السياسة الخارجية
لنستدعِ الذاكرة القريبة شيئاً ما، لنسائِلها عن المستجدات التي طرأت من قبل وراهناً، فأفضت إلى هذه القناعة الاستراتيجية الرسمية الجديدة للحكم بالمغرب في ضرورة تصويب وجهة العلاقات إلى إفريقيا.

في عهد الملك الراحل، كان قرار القصر بانسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية بسبب تواجد البوليساريو بهذه المنظمة، فصارت كل الدولة المغربية على نهج هذه السياسة الخارجية التي أفرزها هذا الإعلان بالانسحاب، بل أضحت العلاقات الخارجية المغربية تبنى على أساس خارطة خصوم الوحدة الترابية (والمقصود رسمياً مغربية الصحراء)، وخارطة مناصري هذه الوحدة الترابية.

بالطبع فالإطار الدستوري و"الفوق الدستوري"، الذي كان يؤسس لهذا القرار كان واضحاً بحكم الصلاحيات الواسعة للملك دستورياً أو خارج المجال الدستوري آنذاك، وهو نفس الإطار الذي أسس لقرار القبول بالاستفتاء حول حق تقرير المصير فيما يخص سكان الصحراء المغربية، وتبين بعدها أن ذلك القرار كان مغامرة غير محمودة النتائج لصالح المغرب، خصوصاً مع الخلاف الذي نشب حول هوية الهيئة الناخبة مما جعل أمر إجراء الاستفتاء مستعصياً.

ثم سيأتي القرار المناقض بالتخلي على القرار الأول بالقبول بالاستفتاء، فكانت أطروحة الحكم الذاتي التي تطورت إلى أطروحة الجهوية الموسعة، وسيُسفر ذلك عن تبني الدولة المغربية لسياسات الجهوية التي ستكون من مقتضياتها تعديلات قانونية سيصادق عليها البرلمان بخصوص التقسيم الجهوي الجديد ومع صلاحيات جديدة في التدبير اللامركزي للجماعات الترابية محلياً وإقليمياً وجهوياً، ثم بعدها انتخابات جماعية على قاعدة التقسيم الجهوي الجديد وفق هذه الصلاحيات الجديدة للمجالس الجهوية والجماعية، كل هذه الإجراءات طبعاً جاءت اقتضاء وتبعاً لقرار الحكم بالمغرب حول تنزيل أطروحة الجهوية الموسعة.

في كل هذه التحولات التي عرفتها السياسة الخارجية المتعلقة بتدبير قضية النزاع حول الصحراء، تظهر أن كل القرارات المتعلقة بها لم تكن في تقديرنا نتيجة خلاصات نقاش عمومي مؤسساتياً ومجتمعياً، فما على المجتمع والأحزاب والمؤسسات التشريعية والحكومية إلا الخضوع لها، وتنزيل مقتضيات هذا التدبير في كل مرحلة.

عودة إلى قضية الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي

كان المنتظر من انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016 أن تأتينا بحكومة جديدة مؤطرة بدستور 2011، والذي اكتمل تقريباً بنيانه بعد المصادقة على أغلب القوانين التنظيمية المفسرة والمبينة لبعض فصوله، ومن المفترض دستورياً أن تتحمل هذه الحكومة مسؤوليتها حتى في فتح النقاش العمومي حول قبلة السياسة الخارجية للمغرب وأولوياتها، ما دامت هذه الحكومة هي مؤسسة دستورية تشتغل في تناسق تام مع المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك من أجل البت في السياسات العامة للبلاد والاستراتيجية الخارجية للدولة المغربية، لكن ماذا كان يقع والمشاورات قيد الإجراء لتشكيل الحكومة؟

كان الملك قد أطلق سلسلة جولات إلى دول إفريقية، وتوّجت جولاته بقبول المغرب عضواً ضمن منظمة الاتحاد الإفريقي، بعدما انعقد مجلس النواب الجديد بطلب من الملك للمصادقة على قانون الاتحاد الإفريقي، ولو قبل تشكيل الحكومة.

مفارقتان غريبتان بخصوص هذا الانضمام

الأولى: متعلقة بمآلات نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي كان من المفترض أن تجلي لنا أغلبية حكومية تباشر تدبير الأشغال الحكومية الجديدة، ومعارضة لهذه الأغلبية، إلا أن المفارقة تتجلى في تشكل أغلبية من داخل تشكيلات مجلس النواب وخارج الأغلبية الحكومية المنتظرة بل وقبل حتى الحسم في تشكيلة الحكومة التي ستتضح بها تشكيلة هذه الأغلبية الحكومية.

ثاني هذه المفارقات: متعلقة بالسياسة الخارجية للدولة المغربية، ذلك أن انضمام دولة المغرب للاتحاد الإفريقي يعني قبولاً ضمنياً له أن يكون عضواً في منظمة الاتحاد الإفريقي الذي يعتبر البوليساريو عضواً فيها، وكانت عضويته سابقاً في منظمة الوحدة الإفريقية سبباً رئيسياً في انسحاب المغرب منها، وهي مفارقة لا نجد لها جواباً إلا باعتبار القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية لا تخضع للنقاش العمومي والمؤسساتي بل هي مجال خاص بالقصر ومحيطه.

الخلاصات:

في خلاصة يمكن القول إن سؤال دمقرطة الدولة ما زالت مشروعيته ملحّة لأن:
1- هذه الدمقرطة المنشودة هي التي ستفتحنا على عهد دمقرطة القرارات الوطنية؛ أو السياسة الخارجية للمغرب.

2- هذه الدمقرطة المنشودة هي التي ستجعل وجهات السياسة الخارجية تخضع للنقاش العمومي والمؤسساتي الملزم في مخرجاته العامة.

3- هذه الدمقرطة المنشودة هي التي ستُجلي الهوية الاستراتيجية للدولة المغربية، بدون مفارقات التي نجدها راهناً في هذه التحولات غير المفهومة من مقاطعة لمنظمة الوحدة الإفريقية بعلة وجود كيان البوليساريو إلى حرص على الانضمام إلى منظمة الاتحاد الإفريقي مع وجود كيان البوليساريو.

4- إن من مقتضيات هذه الدمقرطة المنشودة والمطلوبة، طرق سؤال الشفافية الاقتصادية ولربما متعلق أيضاً بسؤال هذا الجمع بين السلطة والثروة والاقتصاد اللذين سيظلان سؤالين ملحّين حتى إقرار الفصل بين ما هو مصالح وطنية وما هو مصالح فئوية مرتبطة بمجموعات اقتصادية فقط.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد