الموت أهون من “خطيّة‎”

لم يكن قد ينطقها السياب العظيم بلا سبب، حينما يتحدث عن مأساته ومأساة الجميع، عندما قال "الموت أهون من خطيّة"، هذه العبارة التي اختصرت كل التفاصيل التعسفية التي من الممكن أن تلحق بالإنسان، وأن تهينه وتهين كل ما يتعلق به، الموت هو بمثابة فرصة حقيقية لكل مَن لم تسعفه اللحظة المناسبة ليحافظ على كرامته.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/24 الساعة 08:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/24 الساعة 08:04 بتوقيت غرينتش

لم يكن قد ينطقها السياب العظيم بلا سبب، حينما يتحدث عن مأساته ومأساة الجميع، عندما قال "الموت أهون من خطيّة"، هذه العبارة التي اختصرت كل التفاصيل التعسفية التي من الممكن أن تلحق بالإنسان، وأن تهينه وتهين كل ما يتعلق به، الموت هو بمثابة فرصة حقيقية لكل مَن لم تسعفه اللحظة المناسبة ليحافظ على كرامته.

الموت ليس آخر المطاف وليس أسوأ الأشياء التي تحصل في العراق في ظل السيناريوهات المرعبة التي تحدث بشكل يومي، والتي ينتظرها العراقيون بطريقة لا يمكن أن يُحسَدوا عليها، الموت هو اللحظة الأكثر منطقية وعقلانية في ظل الخراب الذي يحدث.

أكثر من عشر سنوات مضت، لكنها حملت قصصاً مؤلمة للناس، قُتل المئات منهم في لحظات رعب لا يمكن أن تحدث سوى في أفلام الأكشن، كان قد سقط فيها الأبرياء، بلا سبب وبلا معنى، لا شيء غير أنهم كانوا في المكان والوقت الخطأ، كانت النتيجة المرضية هي الموت في كل الاحتمالات.

الخطف والتعذيب والإهانة الجسدية والنفسية التي تحصل لك، هي أبرز الخيارات الممكنة التي تواجهها حينما تتصدى أو تقف بالضد من أصحاب المصالح والفاسدين وأصحاب النفوذ والأحزاب والعصابات المنظمة التي تقف خلف واجهات سياسية محترمة، ثم تشاهد كيف تبدد أحلامك وطموحاتك كل يوم.

تلك الخيارات تجعل الناس تبحث عن بدائل أخرى أقل ألماً، ربما الموت هو الطريق الأقصر من كل هذه الخيارات التي باتت تشكل معلماً واضحاً من معالم المشهد السياسي العراقي، والتي تكشف الوجه الآخر للدمار الذي صنعته فئة فاسدة، أساءت لكل مظاهر الجمال.

أن تكون معافى وسليماً، ولا تحمل ندوباً معينة جراء موقف ما، وتسير بشكل طبيعي دون أن تتعرض لضغوط أو تهديدات معينة، ولم يأتِ أحد للقضاء عليك أو يقوم بخطفك أو تصفيتك، هذه نعمة مميزة يجب أن تكون شاكراً لها على مدى وجودك سليماً بلا أي أذى.

كان الأجدر بنا أن نتعلم جيداً من فرز الأحداث والمواقف الطويلة التي حصلت، أن لا نخرج عن القطيع في لحظات غير مناسبة، تكاد تكون المهمة انتحارية بحد ذاتها، طالما أنك تفكر بشكل مختلف وأنك تخلق رأياً آخر مغايراً عما يسود الواقع، أو أنك تنظر إلى العالم من زاوية أخرى.

لا يجب عليك أن تقف وتتحدث بالأشياء التي لطالما كانت قد شكلت خطوطاً حمراء في عقول الذين يحاولون الإساءة إليك في كل الاحتمالات والظروف الممكنة.

مشهد الجثث المرمية على الطرق أو في النفايات، والتي يُعثر عليها كل صباح خلال سنوات القتل الطائفي وتكرارها خلال السنوات القليلة الماضية ولحد هذه اللحظة، توضح لنا حجم المأساة التي نشاهدها، لربما لا نستطيع أن نتخلص منها.

من المحتمل أن نكون كلنا في ذات المشهد، مشهد الجثة والموت على الطرق أو في الأماكن العامة، فهذه الأشياء ليست مسرحية أو مشاهد مقتبسة من فيلم سينمائي هابط يسعى إلى الإثارة، فهي مشاهد واقعية للمنطق الذي يجسده أشخاص لعلهم اليوم يتمسكون بمناصب مرموقة.

الموت ليس أسوأ الأشياء التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان في العراق، وبشكل خاص لمن يعمل في مجال الصحافة، أو في أي مجال آخر قد يشكل تهديداً واضحاً لمن يواجهه.

في ظل كل هذه الفوضى، يسعى الكثير ممن ليس لديه قدرة على أن يدافع عن نفسه في لحظة تاريخية لا يحسد عليها ولا أحد يمكنه أن يفكر أن يضع نفسه في موقف مثلما يقف فيه الصحفي وحيداً بلا حماية تتلقفه الأحزاب والسلطات، وكل مَن يقف فوق القانون تماماً.

وفي هذه اللحظات التي يجب أن لا تنسى، ليس علينا إلا أن نردد عبارة السياب الشهيرة، "الموت أهون من خطيّة"، كنشيد للموتى، كنا نحن الـ"خطيّة"، الذين أصبحوا أغلبية صامتة ضاعت حقوقها بين اللصوص والقتلة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد