يفتح هجوم دامٍ على الشرطة، في صحراء مصر الغربية، أعلنت مجموعة جديدة متشددة مسؤوليتها عنه البابَ أمام ظهور جبهة أخرى أمام قوات الأمن، تبعد كثيراً عن شمال شبه جزيرة سيناء، حيث تتصدى القوات لحرب يشنها فرع لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) منذ عام 2014.
وأعلنت جماعة غير معروفة، اسمها أنصار الإسلام، مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع في 21 أكتوبر/تشرين الأول.
وقال محللون ومصادر أمنية، إن الأسلحة الثقيلة والتكتيكات التي استخدمها المهاجمون تشير إلى صلات تربطهم بالدولة الإسلامية، أو على الأرجح بفصيل تابع لتنظيم القاعدة، يقوده ضابط القوات الخاصة المصرية السابق هشام عشماوي، الذي اعتنق الأفكار المتشددة.
وسبق أن قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، إن مقاتلين من تنظيم الدولة الإسلامية سينتقلون إلى مصر وإلى ليبيا الآن، بعد سلسلة الهزائم التي لحقت بالتنظيم في سوريا والعراق.
ويعد الأمن عنصراً أساسياً بالنسبة للسيسي، قائد الجيش السابق، الذي يعتبر نفسه حائطَ صدٍّ في مواجهة المتطرفين الإسلاميين، وهو مقبل فيما يبدو على ترشيح نفسه لفترة رئاسية جديدة العام المقبل.
جبهة جديدة
وتقول مصادر أمنية ومحللون وسكان في المنطقة، إن إعلان جبهة جديدة تربطها صلات محتملة بعشماوي وتنظيم القاعدة سيزيد المخاطر التي تواجهها قوات الأمن في الصحراء الغربية، حيث يمكن للمسلحين الاستفادة من طبيعة الأرض والثغرات الكثيرة في الحدود الليبية.
وقال مصدران أمنيان ومصدر طبي، إن أدلة أظهرت أن أحد المسلحين الذين قتلوا في مداهمة أعقبت الهجوم هو ضابط سابق بالجيش، والرجل الثاني في جماعة عشماوي، الذي حوَّل ولاءه من فرع الدولة الإسلامية في سيناء إلى تنظيم القاعدة، ويعيش في ليبيا منذ عام 2014.
وقال إتش.إيه. هليار، الخبير في شؤون مصر، والزميل غير المقيم في أتلانتيك كاونسيل: "إذا كان طرفاً فيما يبدو أنه عملية بأسلحة ثقيلة وغير متوقعة على الإطلاق على الجانب المصري من الحدود المصرية الليبية، فهذا مصدر قلق كبير".
وقال مسؤول في وزارة الداخلية، إنه لا يمكنه تأكيد أو نفي صحة إعلان جماعة أنصار الإسلام، لأن الأمر قيد التحقيق. كما تُحقق النيابة في الهجوم.
وقال ضابطان في جهاز الأمن الوطني، إن المتطرفين في الصحراء الغربية أكثر احترافاً فيما يبدو من المتطرفين في سيناء. وقال الضابطان اللذان يعملان في جمع المعلومات، إن المتطرفين المرتبطين بعشماوي يمكنهم الاستفادة من خبرات أفراد سابقين في قوات الصاعقة بالجيش، أو رجال شرطة سابقين.
وقال أحد الضابطين، مشيراً إلى قادة جماعة عشماوي: "عشماوي وأربعة ضباط سابقين لديهم خبرة في القتال والاستطلاع والتخطيط، ولذا فإن المجموعة (التي تعمل) معهم خطيرة".
بداية حملة؟
لا يزال غير واضح ماذا حدث بالضبط عندما وقعت قوة من الشرطة المصرية في كمين جرى التخطيط له جيداً، ونصبته جماعة متشددة مزودة بأسلحة ثقيلة في منطقة صحراوية نائية، تقع على بعد 135 كيلومتراً جنوب غربي القاهرة.
وقالت ثلاثة مصادر أمنية لرويترز، في ذلك الوقت، إن عشرات من ضباط ومجنَّدي الشرطة قتلوا. لكن وزارة الداخلية فنَّدت هذه الأعداد في اليوم التالي، وقالت إن 16 ضابطاً ومجنداً قُتلوا، بعضُهم من الرتب الكبيرة.
وقال مسؤولون ومصادر بالأمن، إن جزءاً من القوة هوجِمَ بقذائف صاروخية وأسلحة ثقيلة. وأضافت المصادر أن المتشددين استهدفوا المركبة الأولى والمركبة الأخيرة في القافلة في بداية الهجوم، مما أصاب باقي المركبات بالشلل.
وأعلنت وزارة الداخلية، في 24 أكتوبر/تشرين الأول، تغيير عدد من القيادات الأمنية، ومن بينهم مساعد الوزير لقطاع الأمن الوطني، ومدير أمن محافظة الجيزة، التي وقع الهجوم في نطاقها. ولم تذكر الوزارة سبباً لحركة التغييرات.
وقال الجيش، في 31 أكتوبر/تشرين الأول، إن القوات الجوية شنَّت غارات جوية على متشددين، شاركوا في الهجوم على قوة الشرطة، وقتلت العديدَ منهم. وأعلن الجيش أيضاً تحريرَ ضابط شرطة مصاب.
ولم تقدِّم الجماعة الجديدة، التي تسمِّي نفسَها (جماعة أنصار الإسلام) دليلاً على إعلان مسؤوليتها عن الهجوم، الذي وقع يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول، لكنها قالت إن الهجوم هو بداية حملة ضد حكومة السيسي. واستعرضت الجماعة في بيانها مجموعةً من الأسباب لحملتها، لكنها لم تُشر إلى حجم عملياتها أو قدراتها.
ونقلت جماعات تربطها صلات بالقاعدة، من بينها جماعة حراس الشريعة، بيان جماعة أنصار الإسلام. وتنشر صفحات جماعة حراس الشريعة على شبكات التواصل الاجتماعي بيانات زعيم القاعدة أيمن الظواهري.
وقال ثلاثة مصادر في مديرية أمن الجيزة، إنهم يعتقدون أن الهجوم مِن فعل جماعة عشماوي.
وتعتقد السلطات المصرية أن عشماوي فرَّ إلى ليبيا في 2014. ولدى عشماوي صلاتٌ قوية في مدينة درنة، حيث يقود مع ضباط مصريين سابقين خلية تابعة للقاعدة.
واتُّهم عشماوي بشنِّ هجمات كبيرة في مصر، من بينها قتل النائب العام في 2015 بسيارة ملغومة. لكن انتقاله إلى مصر سيثير أيضاً تساؤلات حول ما إذا كان غيَّر منطقةَ عملياته.
وكلٌّ من تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة له كتائب تعمل في شمال إفريقيا، حيث يتنافسان على اكتساب أراضٍ في ليبيا، ولاسيما في درنة. وأحياناً يعمل التنظيمان جنباً إلى جنب في كتائب صغيرة في بلدان مثل تونس والجزائر.
وقال أوديد بيركويتز، محلل الاستخبارات في مجموعة ماكس سيكوريتي الاستشارية للمخاطر، إن تقييم قدرات أو ولاءات المجموعة الجديدة أمر صعب، ولكن قد يكون هناك جهد من جانب تنظيم القاعدة للاستفادة من تراجع تنظيم الدولة الإسلامية، من أجل تعزيز وجوده واكتساب أعضاء جدد محلياً.
وقال: "هناك وجود قوي للقاعدة في ليبيا، يمكن أن يدعم مثل هذا المسعى في مصر. وعادة عندما تكون هناك مجموعة مسلحة في تراجع (الدولة الإسلامية) وزيادة في المنافسة بين مجموعتين، فإن ذلك يترجم إلى موقف أكثر عدوانية ومحاولات لشنِّ هجمات أكبر وأكثر كفاءة".
سيناء إلى الشمال
تقاتل قوات الأمن المصرية عدة جماعات مسلحة، لكنها تركِّز على جماعة موالية لتنظيم الدولة الإسلامية، قَتلت المئات من رجال الشرطة والجنود، في محافظة شمال سيناء، وتشنُّ أيضاً هجماتٍ خارج المنطقة.
لكن الصحراء الغربية، وهي منطقة شاسعة تُشكِّل أكثرَ من نصف أراضي مصر، كانت تشكل دائماً صداعاً أمنياً بسبب تدفق الأسلحة عبر الحدود من ليبيا.
ووجدت الجماعات المتشددة ملاذاً لها عبر الحدود، أثناء الفوضى التي أعقبت سقوط معمر القذافي عام 2011.
ويقول سكان ورجال أعمال ومصادر أمنية في المنطقة المحيطة بموقع الهجوم، إنهم لاحظوا وجوداً متزايداً للمتشددين على مدى العامين الماضيين، وفي بعض الأحيان كان المتشددون يقودون السيارات على الطرق السريعة ليلاً، ويقومون بشنِّ هجمات سريعة ويفرون.
وقال ضابط مخابرات عسكرية يعمل في منطقة واحة الفرافرة، القريبة من موقع هجوم 21 أكتوبر/تشرين الأول: "من الأقرب لهم جلب الأسلحة من ليبيا، والأقرب لهم أن يقوموا بعملياتهم ثم يفرّون إلى ليبيا، أو الاختباء في الصحراء".
وتتناقض مواجهة مصر المستمرة للجماعات المتشددة في الداخل مع خسائر تنظيم الدولة الإسلامية الكبيرة في العراق وسوريا. وفي منطقة الصحراء الجنوبية في ليبيا يُظهر تنظيم الدولة الإسلامية علاماتٍ على الانتعاش، بعدما خسر مدينة سرت قبل عام.
وشنَّت القوات الأميركية غاراتٍ جويةً على ليبيا، في سبتمبر/أيلول، وهي الأولى منذ ما يقرب من عام، لتدمير معسكر لتنظيم الدولة الإسلامية.
سيناء بديلاً عن العراق وسوريا
وعندما حثَّ أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، أتباعَه، في سبتمبر/أيلول، على الصمود بعد الهزائم التي مُني بها التنظيم في العراق وسوريا، ذكر سيناء وسرت، كأماكن ينبغي أن يقاتلوا فيها.
ونشر تنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان يشتبه بعض الخبراء في تورطه في هجوم 21 أكتوبر/تشرين الأول، بعض تفاصيل الهجوم في نشرة "النبأ" الإخبارية، التي يصدرها، ولكن دون أي إعلان للمسؤولية.
ووقع هجوم الصحراء الغربية في وقت تأمل فيه مصر أن يسهم التوصل إلى اتفاق مصالحة بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين، في قطاع غزة المتاخم لسيناء، في استقرار تلك المنطقة، ووقف وصول الإمدادات لمسلحين في شبه الجزيرة.
وقال ضابط شرطة يعمل في المنطقة، إن "المسلحين قادرون على التحرك في الصحراء الغربية أكثر مما يفعلون في سيناء، بسبب الطبيعة الجغرافية المفتوحة".
وأضاف: "إنها ليست مثل سيناء التي يمكنك تطويقها".