طوى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، صفحة أعراف في ممارسة الحكم تعود إلى عقود خلت تبناها أسلافه، عبر قيامه بحملة تطهير غير مسبوقة استهدفت أمراء ووزراء، يعتبرها محللون استعراض قوة جريئاً، لكنه محفوف بالمخاطر.
وتم توقيف عشرات الشخصيات السياسية ورجال أعمال بارزين، بينهم الملياردير الوليد بن طلال، خلال عطلة نهاية الأسبوع، فيما وصفته السلطات السعودية بالحملة على "الفساد"، في حين تمت إقالة شخصيات مهمة من العائلة المالكة، مثل وزير الحرس الوطني.
اهتزاز ثقة المستثمرين
وقد تؤدي ملاحقة شخصيات بارزة في أوساط المال والأعمال إلى اهتزاز ثقة المستثمرين بالمملكة، ما يمكن أن يُخرج خطة الأمير محمد الاقتصادية الشاملة، التي تسمى "رؤية 2030″، عن مسارها.
وتؤكد حملة التطهير وجود خطط غير مسبوقة لإعادة هيكلة المملكة، في حين يفكك الأمير محمد نموذج حكم مبنيّاً على التوافق ضمن العائلة المالكة ريثما يعزز سلطته بشكل استثنائي.
وقالت المحللة في مركز "شاتام هاوس" بلندن جاين كنينمونت، إن هناك "إعادة تشكيل جارية لهيكلة حكم العائلة الذي تم ترسيخه خلال العقود القليلة الماضية؛ ليتحول إلى نظام ملكي مركزي".
وأضافت أن الأمير محمد "يغير نمط الحكومة السعودية".
واعتبرت السلطات السعودية الحملة الواسعة مبادرة شجاعة لاجتثاث الفساد.
لكن عدداً من المحللين يتساءلون عما إذا كانت الحملة غطاء يستخدمه الأمير محمد لتعزيز سلطاته، والتخلص من أي خصوم معارضين لتحركاته الإصلاحية، وتنصيبه ملكاً في نهاية المطاف.
ويرى جيمس دورسي، من "معهد إس.راجارتنام للدراسات الدولية" في سنغافورة، إن "الإقالات والاعتقالات تشير إلى أن الأمير محمد يوسّع قبضته الحديدية لمواجهة أي معارضة بدلاً من عقد تحالفات".
وأضاف أن ذلك "يثير تساؤلات بشأن عملية الإصلاح التي باتت تعتمد بشكل متزايد على خطوات أحادية الجانب بدلاً من التوافق حول العقد الاجتماعي في المملكة".
"مقاومة محتملة"
ويشيد مؤيدو الأمير الشاب بخطواته ورغبته في تحقيق إصلاحات اجتماعية واقتصادية كبيرة لتحديث المملكة وتحضيرها لحقبة ما بعد النفط.
وسبقت حملته ضد الفساد خطوات جريئة أخرى أقدم عليها، كمرسوم ملكي يسمح للنساء بقيادة السيارات اعتباراً من يونيو/حزيران المقبل، وتقليص سلطات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد عرض تطلعاته خلال قمة استثمارية في الرياض قبل نحو أسبوعين، قدم خلالها أمام عمالقة الأعمال العالميين مسودات مشاريع تبلغ تكلفتها مئات مليارات الدولارات، وضمنها مدينة تضم روبوتات وسيارات دون سائق.
وتسري شائعات بأن المكان الذي عُقدت فيه القمة، فندق "ريتز-كارلتون" الرياض، بات حالياً مكان احتجاز العديد من أفراد النخبة الموقوفين. وتحيط سيارات الشرطة بالمجمع الفخم، الذي أغلقت بواباته الخارجية.
وأوضحت كنينمونت أن "الحملة ضد الفساد شملت كذلك أشخاصاً يُنظر إليهم على أنهم مصادر مقاومة محتملة لعدة أوجه في مشاريع محمد بن سلمان المتنوعة".
وأضفت الحملة شكلاً من أشكال الضبابية بأوساط الأعمال، في وقت تسعى فيه المملكة جاهدةً إلى جذب الاستثمارات التي تحتاجها بشدة، وسط تراجع أسعار النفط.
وبين الموقوفين وليد الإبراهيم، مالك شبكة "إم بي سي" التلفزيونية الضخمة، إضافة إلى عملاق قطاع البناء بكر بن لادن والملياردير صالح كامل.
وأشار مكتب "كابيتال إيكونوميكس" للأبحاث إلى أن التوقيفات قد تشكل "ضربة" قصيرة الأمد للاقتصاد، في وقت تزداد فيه المعارضة للأمير محمد، ما قد يشكل تهديداً محتملاً لخططه الإصلاحية.
وحذرت مجموعة "ميراباود سيكيورتيز" من أن حملة التطهير التي أُوقف خلالها الوليد بن طلال، الذي يملك استثمارات تقدر قيمتها بمليارات في أنحاء العالم، قد تخيف القطاع الخاص على المدى القصير و"تكثف حركة هروب رؤوس الأموال" من السعودية.
"معارضة خلف الكواليس"
لكن شبكات التواصل الاجتماعي الحكومية لا تبدو آبهة بذلك، وأعادت نشر مقابلة أجراها قبل أشهر الأمير محمد، أكد خلالها عدم استثناء أحد، لا في صفوف الوزراء ولا رجال الأعمال، في حال تم إثبات تورطهم في الفساد.
وهذه الرسالة تلقى صداها في أوساط السعوديين الغاضبين إزاء ثقافة تمنح أفراد العائلة المالكة امتيازات.
وفي هذا السياق، كتب علي الشهابي، مدير "أرابيا فاونديشن"، ومقرها واشنطن وتعد مقربة من السلطات بالسعودية، أن "المنتقدين يعتبرونها استحواذاً على السلطة، في حين أن السلطة مترسخة أصلاً".
وأضاف في تغريدة عبر تويتر: "يتعلق الأمر بإعادة تشكيل سلوكيات النخبة عبر اختيار رموز بارزة. إنها رسالة بأن التنظيف يبدأ من أعلى" الهرم.
إلا أن المحللين يحذرون من النتائج العكسية لحملة التطهير، خصوصاً مع سعي الأمير الشاب إلى تعزيز قبضته على الأجهزة الأمنية.
وانعكس ذلك عبر إطاحته بنجل الملك السابق، الأمير متعب بن عبد الله (64 عاماً)، من منصبه كوزير للحرس الوطني. ولطالما اعتُبرت هذه القوة الأمنية الداخلية مركزاً لسلطة القبائل ومعقلاً لعائلة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.
وفي يونيو/حزيران، أطاح الأمير محمد بولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف وأزاحه من وزارة الداخلية.
بالنسبة لكنينمونت، فإن "هذه التغيرات الدرامية لا بد أن تواجه بعض المقاومة والمعارضة".
وأضافت: "في ظل وجود منابر محدودة للتعبير عن المعارضة والانتقادات في السعودية، لا يمكننا إلا أن نتساءل عما إذا كانت هناك معارضة تنضج شروط تشكّلها خلف الكواليس".