العلاقات الروسية – التركية في سُطُور

تميزت العلاقات المتبادلة بين روسيا وتركيا على مر العقود بالإيجابية، باستثناء ما بعد محطات التوتر التي لم تدم طويلاً؛ بسبب الصبغة الاقتصادية التي تحظى بها تلك العلاقات، فالاقتصاد أقوى من السياسة، وهذا ما دفع المسؤولين الأتراك والروس إلى تدارك خلافاتهم على الفور، والعودة إلى جادة الصلح في جميع المراحل التي شهدت توتراً في العلاقات.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/05 الساعة 02:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/05 الساعة 02:12 بتوقيت غرينتش

تميزت العلاقات المتبادلة بين روسيا وتركيا على مر العقود بالإيجابية، باستثناء ما بعد محطات التوتر التي لم تدم طويلاً؛ بسبب الصبغة الاقتصادية التي تحظى بها تلك العلاقات، فالاقتصاد أقوى من السياسة، وهذا ما دفع المسؤولين الأتراك والروس إلى تدارك خلافاتهم على الفور، والعودة إلى جادة الصلح في جميع المراحل التي شهدت توتراً في العلاقات.

إن عمر العلاقات القائمة بين البلدين 5 قرون، وقد شهدت هذه القرون توقيع اتفاقيات اقتصادية عالية المستويات، فتركيا تقوم باستيراد 55% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا، حيث تحتاج سنوياً إلى 50 مليار متر مكعب، 26 ملياراً منها من روسيا، وقد بلغت العائدات السنوية الروسية لتركيا في الربع الأول من عام 2015 م نحو 4.9 مليار دولار، وذلك حسب الأرقام الصادرة عن هيئة الإحصاء التركية، وفي المقابل تشكل تركيا مقصداً أساسياً للسياح الروس الذين يفضلونها على بقية البلدان، ويعتبرون منتجعات تركيا هي من أفضل الأماكن في العالم، وقد بلغ عدد المواطنين الروس الذين قصدوا تركيا عام 2015 م 4.39 مليون سائح روسي، وأدخلوا ما يقارب 36 مليار دولار إلى الاقتصاد التركي.

أما المعاهدات والاتفاقيات الموقَّعة بين البلدين، فقد وصل عددها إلى 60 اتفاقية، من أهمها معاهدة أسس العلاقات عام 1922، وخطة الأعمال الخاصة بتطوير التعاون بين روسيا وتركيا في القارة الأوراسية عام 2001، واتفاقية التعاون العسكري المشترك عام 2002، والبيان السياسي المشترك حول تعميق الصداقة والشراكة بين البلدين عام 2004م.

أما محطات التوتر بين البلدين، فتتمثل في محطتين اثنتين: الأولى جاءت بعد التدخل العسكري الروسي في شبه جزيرة القرم، الأمر الذي لم يعجب الحكومة التركية؛ ومن ثم تبادل الطرفان عبارات التوتر، ولكن الاقتصاد فرض على الطرفين إنهاء الخلاف وبسرعة، والمحطة الثانية بدأت مع اندلاع الأزمة السورية، ومناصرة روسيا بشكل مباشر الرئيس بشار الأسد، في حين دعمت تركيا فصائل المعارضة السورية في حربها ضد النظام السوري؛ ومن ثم شابَ التوتر العلاقة القائمة بين البلدين، وبلغ هذا التوتر ذروته عندما أسقطت الدفاعات الجوية التركية طائرة حربية روسية عند الحدود مع سوريا، بزعم أنها اخترقت المجال الجوي التركي؛ الأمر الذي دفع روسيا نحو التصعيد والبدء في قطع العلاقات الدبلوماسية، وفرض عقوبات اقتصادية على تركيا.

ولكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاوز هذا الخلاف، وأبرق برسالة إلى الرئيس الروسي، يعزيه ويعزي عائلة الطيار الروسي القتيل، ومن ثم اتفق الزعيمان بعدها على إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، وقد ثمن الرئيس التركي موقف روسيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة؛ إذ كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في طليعة المتضامنين مع الحكومة التركية، حيث أعرب في اتصال هاتفي عاجل مع أردوغان عن تضامنه التام مع الشرعية التركية، في حين تأخرت عواصم أوروبية وعربية عن ذلك كثيراً.

أما عن الزيارات المتبادلة بين الطرفين، فقد زار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، روسيا في التاسع من شهر أغسطس/آب 2016 م، والتقى الرئيس الروسي، وكان هذا اللقاء المباشر هو الأول من نوعه بعد حادثة إسقاط تركيا المقاتلة الروسية، كما التقى الزعيمان ثانيةً في الصين خلال قمة العشرين، وتناولا الوضع السوري والتعاون في مجال الطاقة، أما بوتين فقد زار تركيا في العاشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016، وشاركَ في القمة الـ23 للطاقة العالمية.

واللافت للانتباه أن العلاقات التركية-الروسية لم تتوتر ثانيةً كما توقع الكثيرون، وذلك عندما تم قُتل السفير الروسي في أنقرة، أندريه كارلوف، برصاص شرطي تركي كان قد أطلق الرصاص عليه مباشرةً؛ ومن ثم تمكن الزعيمان التركي والروسي من تجاوز هذه المرحلة الصعبة، ليعلن الرئيس التركي رجب طيب آردوغان، مؤخراً، شراء منظومة الصواريخ "إس-400" من روسيا، ويفصح عن تفاهمات كبيرة مع روسيا بما يخص الملف السوري، وإنشاء مناطق خفض التصعيد في إدلب، حيث تتولى تركيا مهمة الأمن من الداخل، في حين تشرف روسيا من الخارج على مهمة الأمن بمدينة إدلب شمال سوريا.

وحالياً، يمكن وصف العلاقات الروسية-التركية بأنها الأمتن في تاريخ العلاقات بين البلدين، سواء أكان ذلك على صعيد السياسة أم السياحة أم التبادل الثقافي أم الاقتصاد، الذي يعلو فوق كل ما سبق.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد