ثقافة المقاطعة هي أسلوب حضاري تتبنّاه الشعوب المتحضّرة في أغلب الدول الديمقراطيّة، وهي سلوك رقابي شعبي وردّة فعل شرعيّة تُقْدم عليها وتمارسها شريحة كبرى من المستهلكين، كلّما دعت الحاجة إلى ذلك.
ثقافة المقاطعة تعني أنّ هذه الشريحة الاستهلاكيّة كلّما أدركت أنّ هناك شططاً في أسعار أيٍّ من موادّها المعيشيّة اليوميّة أو ما يماثلها أهميّة، ورأت في هذا الشطط مبالغةً وجشعاً من التجّار أو المموّلين والمزوّدين لا مبرّر له إلا وأمسكت وامتنعت عن طلب تلك المادّة في تضامن شعبيّ واسع؛ حتّى يفيء التجّار أو المموّلون ومن شاركهم في ذات الفعل إلى الصّواب، فيراعوا الطاقة الشرائيّة لمواطنيهم، وينزلوا بالأسعار إلى المتناول العامّ وإلى القدْر المعقول.
وكما أسلفنا القول فإنّ هذه المقاطعات حدثت وتحدث في كثير من الدّول، وقد أعطت ثمارها، بل زادت أنّ المنتجين والتجّار قاموا بالاعتذار للمستهلكين، وأنزلوا الأسعار إلى أقلّ مما كانت عليه قبل الزيادة.
أمّا آلية المقاطعة، وبما أنّها سلوك وثقافة حضاريّة، فإنّها تبدأ بوعي الفرد (المواطن) وإدراكه، وكذلك التزامه الشخصي، ثمّ تمتدّ إلى غيره بدون ضوضاء ولا جمهرة، فقط بانتقال المعلومة على شكل حملات توعويّة إعلاميّة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي مثلاً.
ونحن في بلادنا ما أحوجنا إلى ثقافة المقاطعة، ما أحوجنا إلى تجسيدها أمام هذا الكمّ الهائل والمتعاظم من الغلاء في حاجيّات قفّة العيش، فضلاً عن الغلاء في كثير من الكماليّات التي دخلت في حكم الضرورات لطبيعة نسق تطوّر الحياة، ما أحوجنا إلى مقاطعة بضائع أثقلت كاهل العيّاش، وتسبّبت له في إرهاق مادّي وتداين واقتراض، فجلّ أسعار الموادّ الاستهلاكيّة انخرطت في موجات تصاعديّة، وفي تواتر محموم.
المقاطعة أمام هذا الغلاء وعجز الحكومة عن إيجاد طرق لتعديل الأسعار أو حتّى تطويقها، فالمقاطعة هي السبيل الأنجع، وهي كذلك تأصيل لحقوق المُواطنَة، وآلية حضاريّة لتحقيقها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.