يعُرف البعض الأقلية على أنها جماعة فرعية تعيش بين جماعة أكبر منها، وترتبط بصفات ومشتركات تختلف عن مشتركات المحيط الاجتماعي الذي يكون حولها، وتعتبر نفسها واقعة تحت تسلّط المجموعة الأكبر، والتي تتميز عنها بنفوذ اجتماعي وسياسي وديني أكبر، وهو ما يجعلها في حرمان من ممارسة أنشطتها المختلفة.
ويمارس مجتمع الأكثرية سطوةً كبيرةً على أية أقلية، تتعايش معه بنفس المكان، وأحياناً يجعل لها دوراً محدداً أو يقوم بإلغائه، بحسب طبيعة وتفكير المزاج الشعبي الذي تعيش فيه الأقلية، وتكثر تلك النماذج والأمثلة بشكل واضح في مناطق الشرق الأوسط، وهناك أمثلة كيف تعرضت تلك الأقليات للقمع والاضطهاد على مدار تاريخها.
وعلى ضوء ذلك، حرصت المنظمات الأممية العالمية على أن تعطي مساحة جيدة لتلك الأقليات واحتراماً لوجودها التاريخي في تلك المناطق، وفسح المجال لأن تمارس نشاطها الاجتماعي والديني بحرية تامة، وإعطاء الفرصة لها في المشاركة بالحياة السياسية.
وغالباً ما يرتبط مفهوم الأقليات بشكل واضح بتلك الجماعات التي تختلف عنها بالدين أو العقيدة أو القومية، وهو ما يحدد مصير وجودها التاريخي، لكننا اليوم نشهد ظهور أقليات جديدة لا تقوم على تلك الأسس، وهي تعرضت إلى القمع أيضاً وتعاني من تسلط أغلبية هائلة عليها.
هذه الأقليات أفرزتها الأحداث في العراق خلال السنوات القليلة الماضية لا تنطبق عليها معايير وشروط الأقليات المتفق عليها حول العالم، وفي مواثيق الأمم المتحدة؛ كي يكون لها قانون أو شروط معينة للحفاظ عليها، وهذه الأقليات جاءت كنتيجة حتمية لظهور وانتشار الفساد والعنف الطائفي في العراق.
تلك الأقليات تشترك بالتأكيد بالكثير من الصفات داخل الجماعة الأكبر التي تعيش بينها، وهي لا تعاني من اختلاف ديني أو قومي أو عِرقي؛ كي يتم إقصاؤها من الحياة العامة، لكنها تعيش في خطر محدق بشكل مستمر، والتهديد الذي يمر بمن ينتمي لها قد يكون أكبر من الخطر الذي يهدد الأقليات الدينية مثل الصابئة والأيزيديين والمسيحيين؛ كون تلك الأقليات تتلقى تعاطفاً دولياً كبيراً.
ومشكلة تلك الأقليات التي قد نسميها جدلاً أقليات نظيفة، أنها لم تتفق على أنها تشكّل أقلية في مكان محدد، بقدر ما حدتها الأهداف تجاه الأحداث الكبرى، ونسميها أقليات لمواجهة المد الهائل من المفسدين الذين يتكاثرون بشكل انشطاري كل يوم.
هذه الأقلية هي أولئك الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء أو المشاركة في صناعة الكراهية والتحريض، ولم يشاركوا في سرقة البلاد، ولطالما نددوا بالفساد، وواجهوا الفاسدين، هؤلاء هم الأقلية الحقيقية التي تسلط الأضواء عليهم من سدنة الفساد في العراق، لقطع الطريق والقضاء عليهم.
لم يساهموا في إشعال الحرائق التي تحصل، ثمة نماذج قليلة جداً لم تشترك في مؤامرة الفساد أو المشاركة في عصابات الموت والقتل التي تنتشر في بغداد، هم اليوم أمام فوهات بنادق اللصوص، ولا تستطيع إلى الآن المنظمات الأممية أن تضع حداً أو حمايةً لهم، غير أنها تعرب عن قلقها أو تستنكر في حال تمت تصفية مجموعة منهم.
هؤلاء هم الفئة القليلة التي يراهن على عراقيتها، دون أن توزع ولاءاتها إلى جهات أو أشخاص آخرين، يمتلكون نفوذاً سياسياً واسعاً.
إذا كانت مساعي الأمم المتحدة أن تحافظ على التنوع الثقافي والعرقي أو الديني من الاندثار في بعض المجتمعات التي تشهد عنفاً قاسياً تجاه الأقليات، ماذا عن العنف الذي يحصل بحق الأقليات النزيهة التي لم تتلطخ أيديها بالفساد، في العراق، وهم يقفون في الواجهة؟
كيف يمكن مواجهة كل ذلك وتقديم الحماية بدون أي مزايدات، هؤلاء يتخطى بهم مفهوم الأقليات أكثر من أي مسمى آخر، لكنهم مجرد أرقام بسيطة في ظل الرعب الذي يخلقه مجتمع الفساد في العراق، الذي تحول إلى أغلبية واضحة، يهيمن على كل مفاصل الحياة، ولن تؤثر فيها أي دعوات أممية أو إنسانية للحد من إيقاف نزيف القتل الذي يسحق تلك الأقليات التي لم تجد في العراق إلا شعاراً تموت وتدافع عنه بالكلمة والموقف.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.