تتقاسمنا ضوضاء الأحداث وتجاذبات التيارات السياسية والمنظمات والجمعيّات وهرطقة ممثّلي الأحزاب وبقايا النّخب السّياسيّة، كل كان – وما زال- بكل صفاقة، يتحدث بلغة (الأنا) أو بلغة الولاء لمشروع حزب أو حتى بقاياه، ولا همّ له إلا إثبات ذاته وترسيخ وجوده والسّعي إلى تحالفات سياسية لتقوية مركزه واغتصاب سلطة وتضخيم رصيد على حساب الوطن وأهله ومقايضة بمقدّراته وخصوصيّاته سرّاً وعلانيّة.
مشهد سياسي غوغائي المسار، يعمره في جُلّه حفنة من الانتهازيين والمقايضين والفاسدين، تحادفوا علينا من كلّ صوب عقب الثّورة وما زالوا ينْسلون، سياسيون لا يفقهون في حقيقة الفعل السّياسي ولا يتقنون حتى إدارة عائلاتهم، فقط هم يجيدون السمسرة و"قلبان الفيستة" والشعوذة السياسية.
أحزاب لم يكْفِها الكذب والنفاق والضحك على الذقون؛ بل تعدت ذلك إلى التقوقع داخل مركزياتها؛ لترقع حالها المهترئ أو (لتنتدب) شخوصاً أكثر كذباً وبهتاناً أو لتقايض مصالح البلاد والعباد بعضها مع بعض، وقطعت كل وصلاتها مع خزّاناتها الانتخابية منذ آخر تصريح بنتائج الانتخابات وانفتحت على أجندات مختلفة غير التي تعنيهم وتهمّهم.
أحزاب وجمعيّات ومنظّمات "تهبر" علناً وبكل وقاحة، وأخرى تحت الطاولة في ورع وتعفف! أحزاب تتناحر على مرايا الإعلام الفاسد وتجتمع في أقبية وكواليس السّفارات بدعوة وبغير دعوة، أحزاب أخرى وجمعيّات أخرى فقط ليس لها إلا الاسم والمقر، جعل منها أصحابها باتيندة تخول لهم فتح حساب جارٍ مع (الدول المانحة) ولاستجلاب الحظوة والبريستيج الواهي في المؤتمرات والملتقيات واللقاءات الجامعة والخاصة التي تقوم أساساً على مزيد من استنزاف الوطن ومزيد من تطويع وتدجين البلاد والعباد.
لم نعد نرى في المشهد أحزاب القيم ورجالات المبادئ، أحزاب لا تساوم في الوطنية ولا تتخلى عن الثوابت، صرنا واعتدنا مجاميع تلتف حول الغنائم وتتفرق عند التخاصم حولها، لا يعنيها الوطن ولا أهلوه، لا مقدرات البلاد ولا استقلاليتها؛ بل جعلوا من كل ذلك رأس مال لسمسرتهم السياسية ومقابلاً، صرنا نعايش -قسراً- مشهداً سياسيّاً في أكثره وباستثناءات ضيّقة جدّة، مشهداً لا يبعد كثيراً عن ساحة عرابْنيّة وصفقات ومتعهّدين ومتعهّدات وحفلات وحزّبني يا هو!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.