تماماً مثل ما تُبديه شعوبنا في غالبها من ممارسات وانفعالات من التعاطف إلى التأسُّف مجاراةً لنسق مقابلة كروية محلية كانت أم عالمية، تماماً وبالحال نفسها أصبحت -للأسف- تلك الشعوب العربية والإسلامية تتابع، من خلال التلفاز وأدوات الشبكة العنكبوتية، ما يقع في الوطن الكبير من حروب ودمار وتهجير جماعي وقصف وتقتيل.
بالشعور ورد الفعل نفسه، تتابع هي عن بُعد دماء المسلمين وهي تسيل أنهاراً والأجساد تتمزق بأقوى الأسلحة وأفتك القنابل! بالشعور نفسه، تتابع خراب مدن بأكملها وسقوطاً جماعياً بالآلاف تحت آلة الموت المشتغلة ليلاً نهاراً، تتابع كل ذلك في أحسن الحالات بأسف عميق ولا تزيد!
شعوب طال عليها الأمد لمعاينة ومعايشة نوع -ولو بسيطاً- من الانتصار الذاتي، وسط كل التدافعات والتحركات العالمية السابقة واللاحقة طيلة عقود من الزمن، ولم يكن نصيبها إلا الهزائم المتتالية، فطُبعت مع الهزيمة حتى صارت جزءاً منها.
وفي المقابل، أصبحت البطولات والانتصارات عندها من قبيل أفلام الخيال العلمي، هذا التطبع تغلغل في وجدان هذه الشعوب، كما وقف التاريخ العربي الإسلامي في ذاكرتها الحية وماتت تواريخ عصورها الذهبية نتيجة التغريب والترهيب والإلهاء، الذي تولت مجاميع الإعلام وسدنة الثقافة والتعليم في كل جزء من الوطن الكبير زرعه وتكريسه، وبقوة السلطة في كثير من الأحيان.
فشُوهت الهوية لدى العامة وأيضاً بعض المثقفين؛ بل منهم من ينكر ماضيه باعتباره مظلماً، تعيساً، اعتماداً على الصورة النمطية السلبية التي تجتهد في تقديمها آلة التغريب وتيارات الشذوذ الفكري وبعض مقررات التعليم المصنوعة بأيدٍ مشبوهة.
إذاً، صار وضع الشعوب العربية أشبه بحال قطيع تقوده ماكينات الإعلام الفاسدة والمفسدة، وتحكم توجهاته سياسات محلية عرجاء، هي بذاتها مرتهنة إلى مطابخ السياسة العالمية، ومصالح دولها لا تغادر فلك ما يُرسم لها.
شعوب تُفرقها همومها ولكن تجمعها كرة القدم! شعوب مات في بعضها (الفاعل) كثيراً من الوازع والضمير، وانخدع إدراكها ووعيها لتنحرف في تكتلات ضخمة إلى شعوب مستهلكة تعيش ليومها وتبحث عن ذواتها في العالم الافتراضي والملاهي السمعية البصرية بعيداً عن الواقع المؤلم في إدمان وتكرُّر!
شعوب انكفأت في أبراجها العاجية، تراقب ما يحدث وتتابع المجريات كأنما هي تقع في كوكب المريخ، لا هي منه ولا هو منها، ولا يعنيها من كل ما يحيط بها أو يمسّها إلا كصور تلطخ شاشة التلفاز أو الحاسوب فتثير رداً انفعالياً عابراً، ثم سرعان ما تتحول وتنقلب إلى متابعة لا شعورية لمباراة كرة قدم أو حلقة من مسلسل عقيم ركيك أو حتى إلى دورة لانتخاب ملكة جمال أو أحد صناديق القمار والميسر!
فهل أصبحت هذه الشعوب أبراج مراقبة ومتابعة افتراضية؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.