على الرغم من تراجع أهميته لصالح تنظيم "الدولة الإسلامية"، يبقى تنظيم القاعدة شبكةً فضفاضة ومتداخلة ومائعة في مناطق متعددة.
فالتنظيم الذي لديه خمسة أفرع: جبهة النصرة في سوريّا؛ والقاعدة في شبه الجزيرة العربيّة في اليمن؛ والقاعدة في شبه القارة الهنديّة في جنوب آسيا؛ وحركة الشباب في الصومال؛ والقاعدة في المغرب الإسلاميّ في شمال إفريقيا.
أضِف إلى ذلك، يحتفظ التنظيمُ بعلاقة فعّالة مع الجماعات في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا مثل أحرار الشام في سوريّا وشبكة طالبان وحقاني في أفغانستان وحركة طالبان باكستان وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في المغرب وغرب إفريقيا.
العديد من التنبؤات حول ما إذا كان تنظيم القاعدة سيعاود الظهور أو سيتراجع مزيداً إنّما هي ادعاءات "تنبؤية"؛ وذلك لأنّها تفشل في تحديد أهم العوامل التي يمكن أن تؤثر على مساره.
فلم تكن قوّة القاعدة في الماضي خطيّة أبداً، ولكنها تضاءلت وخفتت بناءً على عوامل مثل انهيار الحكومات في دول مثل العراق وسوريّا واليمن.
وعلى أثر ذلك، فإنّ المهمة الأولى في تحليل مستقبل القاعدة مهمّةٌ منهجيّة: أي تحديد العوامل التي يمكن أن تؤثّر على مساره المستقبليّ؛ إذ يفتقرُ معظم النقاش حول مستقبل تنظيم القاعدة أو تنظيم الدّولة إلى هذه المقاربة التحليليّة، وسرعانَ ما قفزَ صانعو السياسات والأكاديميّون إلى استنتاجاتٍ حول ما إذا كان تنظيم القاعدة سوف يثبثُ أو يضعف، الأمر الذي هو في معظمه تخمينٌ.
من المرجح أن تتوقّف صحوة القاعدة على قدرتها على الاستفادة من الفرص المستقبليّة مثل انسحاب أعداد صغيرة من القوات الأميركية أو غيرها من القوى الغربيّة المكافِحة للإرهاب من ساحات القتال الرئيسة مثل أفغانستان والعراق وسوريّا، وعلى قيام مزيد من الثورة والتمرّد في الشرق الأوسط أو حتى قيام ربيع عربيّ ثانٍ؛ وعلى السياسات أو الإجراءات الأميركية أو الأوروبيّة التي تغذّي إدراك القمع الإسلاميّ؛ وعلى صعود تنظيم آخر كاريزميّ أو زعيم جهاديّ آخر؛ وعلى الانتشار المعتاد واسع النطاق للقوات العسكريّة الأميركية أو غيرها من القوات العسكريّة الغربية، وإن كان ذلك من غير المرجح حالياً، في الشرق الأوسط أو جنوب آسيا؛ أو انهيار تنظيم الدولة في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا.
فمن المرجح أن ينتج تراجع تنظيم القاعدة عن غياب هذه الفُرص، أو فشل الحركة في تحقيق استفادة منها.
فروع القاعدة في أفغانستان وسوريّا واليمن هي من بين أكثر فروع تنظيم القاعدة نشاطاً. ففي سوريا، لا تزال جبهة النصرة عنصراً هامّاً من عناصر مواجهة النظام السوريّ.
وفي يناير/كانون الثاني 2017، تعاونت مع عناصر من أحرار الشام وغيرها من الجماعات لتشكيل هيئة تحرير الشام، ولكنّ جبهة النصرة لا تزال تعمل بشكل فعّال باعتبارها فرعاً لتنظيم القاعدة في سوريّا، ولديها ما يصل إلى عشرة آلاف مقاتل.
أمّا في اليمن، فقد حاول تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أن يبسط قدمه في محافظات أبين ومأرب وشبوة ولديه ما يزيد عن أربعة آلاف مقاتل.
وأعلن الظواهريّ في سبتمبر/أيلول 2014، عن خلق كيان جديد منتسبٍ إلى القاعدة في شبه القارة الهنديّة، بحيث تشرف على الأنشطة في أفغانستان وبنغلاديش والهند وباكستان.
ويقودُ المجموعة عاصم عمر، العضو السابق في حركة الجهاد الإسلاميّ، وهي جماعة إرهابيّة قائمة بباكستان ولديها فروع في شبه القارة الهنديّة.
ويُرافِق عمرَ أبو ذرّ، نائبُه الأوّلُ، ويشرف على حوالي مائتي مقاتل.
وعلى الرّغم من استمرار القاعدة، فإنّ الحركة قامت بعدد قليل من الهجمات الناجحة في الغرب على مدى السنوات الماضية، فخلافاً لتنظيم الدولة، فشلتِ القاعدة أيضاً في إحداث العديد من الهجمات فيما وراء البحار.
وقد وقع أحد آخر مؤامرات القاعدة الرئيسة في الولايات المتحدة منذ ما يقرب من عقد من الزمان، عندما كان نجيب الله زازي واثنان من شركائه مستعدّين لشنّ هجمات انتحاريّة على مترو أنفاق مدينة نيويورك.
لكنّ أجهزة الاستخبارات ووكالات تطبيق القانون الأميركية والبريطانيّة أحبطت هذه الهجمات.
وكان شريف كواتشي، الذي تدرّبَ في اليمن مع تنظيم القاعدة، ضالعاً في الهجوم الذي وقع في يناير/كانون الثاني 2015 على صحيفة شارلي إيبدو الفرنسّية الساخرة الأسبوعيّة في باريس.
وأسفرَ الهجوم عن مقتل اثني عشر شخصاً وإصابة أحد عشر آخرين. غير أنّ هجوم شارلي إيبدو كان نشازاً؛ لأنّ معظم أعمال العنف التي قام بها تنظيم القاعدة في الآونة الأخيرة كانت موجَّهة نحو أهداف في بلدان "قُرب العدو" مثل كينيا والصومال وسوريّا واليمن.
قد يسمح انهيار تنظيم الدولة للقاعدة أو الجماعات الأخرى بالتجدّد والانبعاث، كما إنّ زيادة إضعاف أو انهيار تنظيم الدولة يمكن أن تزيد أيضاً من إمكانية الدمج بين المقاتلين الموالين للقاعدة والدّولة الإسلاميّة تحت مظلّة واحدة – أو حتى قد يؤدي إلى ظهور جماعة سلفيّة جهاديّة جديدة.
يختلف حال القاعدة اليوم عمّا كانت عليه قبل عقد من الزمان، فالحركة أقل مركزيّة، وأقل تركيزاً على العمليات الإرهابيّة في الغرب في الوقت الراهن، وأقلّ شعبيّة.
بناءً على هذه التحديات، فإنّه من غير الواضح ما إذا كان تنظيم القاعدة أو الجهاديّون السلفيّون الآخرون قادرين على الانبعاث من جديد.
وحتّى لو كان ثمّة عودةٌ، فيمكن أن يقودَها تنظيمُ القاعدة أو تنظيم الدولة أو تنظيم جديد أو مزيج من الجماعات السلفيّة الجهاديّة.
ومِن المرجّح أن يتوقف هذا الانبعاث على القدرة على الاستفادة من الفرص التي تلوح في الأفق، مثل انهيار حكومة عربيّة أو أكثر. لكنّ التطرف الذي يمثّله تنظيم القاعدة لن يختفي.
وستبقى الأيديولوجيا حيّة بشكلٍ ما حيث تستمرّ الحروب في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط في الاندلاع؛ ليكون استدعاء التنظيم وتضخيمه إعلامياً جاهزاً عند طلب أجهزة المخابرات الغربية تحديداً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.