خاض طفل تائه من أقلية الروهينغا المسلمة الرحلة من بورما بمفرده، سائراً خلف غرباء من قرى أخرى عبروا الأنهار والأدغال حتى وصل إلى بنغلاديش، حيث لا عائلة لديه، أو أدنى فكرة أين سينتهي به المطاف.
ويقول عبد العزيز، البالغ من العمر عشر سنوات، والذي استخدم اسماً مستعاراً لحماية لهويته: "سألتني بعض النساء في المجموعة "أين عائلتك؟"، فقلت لهن إني لا أعرف".
وأضاف: "قالت لي إحدى السيدات "سنهتم بك وكأنك ابننا، تعال معنا". فرافقتهم".
وتشير آخر إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، إلى أن أكثر من 1100 طفل روهينغي فرُّوا من العنف المندلع في غربي بورما، وصلوا وحدهم إلى بنغلاديش، منذ 25 أغسطس/آب.
خطر آخر أمامهم
ويواجه هؤلاء الأطفال القادمون بمفردهم خطر التعرض إلى الاستغلال الجنسي وتهريب البشر والصدمات النفسية، بحسب اليونيسف.
وشاهد العديد منهم أفراداً من عائلاتهم يتعرضون لقتل وحشي خلال مجازر وقعت في قرى بولاية راخين، حيث يُتهم الجيش البورمي والمجموعات البوذية المسلحة بارتكاب جرائم، وصفها المفوض السامي لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة، زيد رعد الحسين بـ"عملية تطهير عرقي".
وتمكَّن بعضهم من النجاة بأعجوبة من الموت، حيث يعاني بعض الأطفال الواصلين إلى بنغلاديش من إصابات بشظايا ورصاص.
ويتوقع أن يرتفع عدد الأطفال الذين عبروا بمفردهم إلى بنغلاديش، أو الذين انفصلوا عن عائلاتهم على الطريق، مع اكتشاف مزيد من الحالات.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن أكثر من نصف 370 ألف مسلم من الروهينغا، وصلوا إلى بنغلاديش، منذ 25 أغسطس/آب، هم من القُصَّر.
وكشف مسح لعينة من 128 ألفاً من الواصلين الجدد، جرى مطلع سبتمبر/أيلول، في خمسة مخيمات مختلفة أن 60% من القادمين هم أطفال، بينهم 12 ألفاً لا تتجاوز أعمارهم سنة واحدة.
ويشكل ذلك نقطة في البحر بالنسبة لمسؤولي حماية الأطفال الذين يحاولون العثور على قصر غير مرافقين في مخيمات اللاجئين المكتظة، حيث يحبو الأطفال عراة، وينام آخرون في الخارج، فيما يلهو رضع وحدهم في مياه قذرة.
وقال خبير الشؤون الإنسانية في منظمة "أنقذوا الأطفال" (سيف ذي تشيلدرن)، جورج غراهام، في بيان "إنه أمر مثير للقلق بشكل كبير. هؤلاء الأطفال بحاجة إلى دعم إضافي، والمساعدة في لم شملهم مع أفراد عائلاتهم".
وحيدون وعرضة للمخاطر
وقال معَظَّم حسين، من مؤسسة "براك" الخيرية في بنغلاديش في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية، جرى في "مساحة مناسبة للأطفال" تديرها مؤسسته بالاشتراك مع اليونيسف في مخيم "كوتوبالونغ" للاجئين، إنهم "في البداية، لا يتكلمون ولا يأكلون ولا يلعبون. يجلسون فقط دون حركة ونظراتهم شاردة".
وأقيمت نحو 41 منطقة آمنة من هذا النوع للأطفال، ضمن شبكة مخيمات اللجوء في بنغلاديش.
وكل يوم، يتدفق أطفال يحمل بعضهم إخوتهم الأصغر سناً، إلى الأكواخ المتواضعة للقيام بأنشطة مثل الغناء واللعب بالدمى والمكعبات وحبال القفز.
ويعد ذلك متنفساً لإلهائهم عن المأساة في الخارج، حيث تحول الأمطار الموسمية المخيم إلى مستنقع، ويتدافع اللاجئون المرهقون للحصول على نصيبهم من الطعام والمساحة المتناقصَيْن.
ولكن وقت اللعب يتيح كذلك للموظفين تسجيل تفاصيل بشأن خلفية الطفل ومراقبة الواصلين الجدد، والانتباه لأي إشارات بأن الطفل وحده.
وبين هؤلاء الأطفال، محمد رامز (12 عاماً)، الذي وجد نفسه بمفرده بعد فراره من القرية، حيث سار خلف مجموعة من الكبار.
"أكلت ورق الشجر"
ويستذكر رامز (وهو اسم مستعار): "كان هناك الكثير من العنف الدائر، فعبرت النهر مع الآخرين".
ويضيف: "أكلتُ أوراقَ الشجر، وشربتُ المياه لأبقى على قيد الحياة".
وأكد المتحدث باسم اليونيسف في جنيف، كريستوف بوليراك، لوكالة فرانس برس، أن هناك مخاوف من احتمال تعرُّض القصَّر للاستغلال، في حال تُركوا دون إشراف في المخيمات.
وأضاف أن الفتيات على وجه الخصوص عرضة إلى أن يتم جذبهن إلى زواج الأطفال، أو تهريبهن إلى مناطق في مدن كبرى، حيث يُجبَرن على ممارسة الدعارة، أو يتعرضن للاعتداء.
ولكن المرافق المخصصة للأطفال اللاجئين تتحمل فوق طاقتها الاستيعابية.
وخلال يومين فقط، وصل ألفا طفل إلى "منطقة آمنة" واحدة في "كوتوبالونغ"، هي أكبر بقليل من غرفة مدرسية، حيث يوجد بضعة موظفين فقط.
وقال بوليراك، إنه تم التعرف على 35 قاصراً غير مصحوب خلال هذه المدة، وسط الحاجة إلى مزيد من الموارد للتأكد من عدم وجود آخرين لم يتم العثور عليهم.
وقال لوكالة فرانس برس: "كلما تحركنا بشكل أسرع ازدادت فرص العثور على عائلاتهم".
وأضاف: "الأمر الأهم هو توفير الحماية لهم، كون الأطفال غير المصحوبين والمنفصلين عن عائلاتهم هم تحديداً ضعفاء وفي خطر".