قد يجد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مثل أسلافه، أنه لا يمكن لأي مفاوضات أو ضغط اقتصادي وعسكري أن يجبر كوريا الشمالية على التخلي عن برنامجها النووي، وأن الولايات المتحدة ليس لديها خيار سوى محاولة احتوائه وردع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، عن استخدام السلاح النووي.
وأجرت كوريا الشمالية اختبارها النووي السادس والأقوى في الثاني من سبتمبر/أيلول، ووصفته بأنه قنبلة هيدروجينية متقدمة، مصمَّمة ليحملها صاروخ بعيد المدى، في تصعيد كبير للمواجهة مع الولايات المتحدة وحلفائها.
ورفض مسؤولون أميركيون مناقشة التخطيط على مستوى العمليات، لكنهم أقروا بأنه لا توجد خطة قائمة لضربةٍ وقائيةٍ يمكن أن تمنع هجوماً مضاداً من كوريا الشمالية، التي لديها آلاف من قطع المدفعية والصواريخ الموجهة نحو سيول.
الخيارات العسكرية غير مستساغة
وفي اعتراف ضمني بأن الخيارات العسكرية ضد الشمال غير مستساغة في أفضل الأحوال ومكلِّفة في أسوأ الأحوال، أبلغ وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، الصحفيين، الأسبوع الماضي، أن "معين الحلول الدبلوماسية لا ينضب".
ويعتقد مسؤولون أميركيون وآسيويون أن من الضروري إجراء مفاوضات وممارسة المزيد من الضغوط الاقتصادية، لكنهم يعترفون بأن هذه الإجراءات على الأرجح لن تكبح جماح البرامج النووية والصاروخية، التي تعتبرها كوريا الشمالية ضرورية لبقائها.
ويترك ذلك واشنطن وحلفاءها في كوريا الجنوبية واليابان وأماكن أخرى أمام سؤال مقلق؛ وهو: هل هناك أي طريقة للتعايش مع كوريا الشمالية المسلحة نووياً مع احتوائها وردعها عن استخدام هذه الأسلحة النووية؟
ورفض ترامب الرد على هذا السؤال في مؤتمر صحفي الخميس 7 سبتمبر/أيلول الجاري، قائلاً إنه لن يكشف عن استراتيجيته التفاوضية علناً. وذكر أنه سيكون "يوماً حزيناً للغاية" لكوريا الشمالية إذا حسم الجيش الأميركي هذه المسألة.
وقال ترامب: "العمل العسكري سيكون بالتأكيد خياراً.. هل هو حتمي؟ لا شيء حتمياً".
هل يمكن ردع كوريا الشمالية؟
قال مسؤول كبير في إدارة ترامب -طلب عدم نشر اسمه- إنه ليس واضحاً ما إذا كان نموذج الردع الذي استخدمته واشنطن مع الاتحاد السوفييتي السابق إبان الحرب الباردة، يمكن أن يطبَّق على دولة مارقة مثل كوريا الشمالية، مضيفاً: "لا أظن أن الرئيس يريد المجازفة بهذا الخصوص".
وأضاف متحدثاً إلى الصحفيين، بعد تصريحات ترامب بقليل: "يساورنا قلق عميق من ألا يتسنى ردع كوريا الشمالية".
ومن بين الخيارات الأميركية لتعزيز قدرة واشنطن على الردع، التحديث المقرر منذ فترة طويلة للقوة النووية الأميركية المتقادمة، التي من شأنها أن تضمن تدمير كوريا الشمالية إذا أطلقت صاروخاً نووياً باتجاه الولايات المتحدة أو قاعدة عسكرية أميركية أو اليابان أو كوريا الجنوبية.
وهناك خيار آخر؛ وهو ضخ مزيد من الاستثمارات في الدفاعات الصاروخية الأميركية، ولا سيما الاختبار والبحوث، وتطوير التقنيات التي يمكن أن تتصدى لعدد كبير من الصواريخ القادمة.
ويقول خبراء إنه من الضروري أن تتجنب الخطوتان تأجيج سباق تسلُّح جديد مع بكين وموسكو.
ومن العوامل الأخرى التي تؤثر على المخططين في وزارة الدفاع (البنتاغون)، مدى استعدادهم لصراع تقليدي كبير، بعد 16 عاماً من الحرب في أفغانستان والعراق وسوريا وأماكن أخرى.
ولم يصدر أي مؤشر من البيت الأبيض، الذي أبدى فتوراً تجاه فكرة المحادثات، ويأمل أن يغير الضغط حسابات بيونغ يانغ، على أنه مستعد للقبول باستراتيجية احتواء.
وعلى الرغم من التشاؤم إزاء إجراء محادثات، فقد قال مسؤول أميركي -طلب عدم نشر اسمه- إن هناك احتمالاً بأن يقنع الضغط الاقتصادي، وخاصة من الصين، بالإضافة إلى اتفاق على التفاوض، بيونغ يانغ بالحد من ترسانتها النووية أو حتى التوقيع على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية لعام 1996.
وقال المسؤول: "توقيع معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية سيمنح الشمال الإذن بدخول النادي النووي، لكنه يضع حداً لبرنامج التجارب. وبالإضافة إلى فكرة الدمار المؤكد، فإن هذا هو أفضل ما يمكن فعله".
لكن السؤال هو ما إذا كان ترامب مستعداً للقبول بهذه التسوية؟
وقال روبرت أينهورن، المسؤول السابق في وزارة الخارجية، الذي تفاوض مع كوريا الشمالية ويعمل الآن في معهد بروكنجز، وهو مؤسسة بحثية: "ليس من المعتاد استخدام كلمتي الانضباط والثبات في جملة يتردد فيها اسم دونالد ترامب… هل سيعترف بمرور الوقت بأنه قد لا يكون لديه خيار؟".
أما فرانك جانوزي رئيس مؤسسة مانسفيلد التي تشجع تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وآسيا، فكان أكثر تفاؤلاً،. وقال: "هل لديه الصبر لإدارة عملية ردع واحتواء صعبة ضد (الشمال) بدلاً من القيام بتصرف مندفع؟ أعتقد ذلك… بعض صفقاته استغرقت سنوات لتؤتي ثمارها".