عندما أطلقت كوريا الشمالية التي تمتلك أسلحة نووية، صاروخاً بالستياً حلق فوق اليابان هذا الأسبوع، أثار ذلك إدانة دولية، كما أثار السؤال: لماذا اليابان؟
قد يكون الأمر واضحاً، ولكن الجغرافيا تلعب غالبا عاملاً مهماً جداً في الصراعات الجيوسياسية.
يشكل الأرخبيل الياباني سلسلة طويلة قبالة ساحل شمال آسيا، ولذلك فإن أي دولة في المنطقة ترغب في إطلاق صاروخ متوسط أو طويل المدى باتجاه المحيط الهادي، يجب أن يمر فوق ذلك الأرخبيل.
عبر الصاروخ الذي أطلقته كوريا الشمالية، الثلاثاء، مسافة نحو 2700 كلم من مكان انطلاقه، قبل أن يسقط في المحيط الهادي على بعد نحو 1200 كلم قبالة جزيرة هوكايدو شمالي اليابان.
وقبل ذلك بأسابيع هددت بيونغ يانغ بإطلاق صواريخ باتجاه جزيرة غوام الأميركية في المحيط الهادي، على بعد نحو 3500 كلم، وربما اختارت بيونغ يانغ إطلاق هذا الصاروخ بهذا المدى لتذكير واشنطن بأن لديها القدرات على تنفيذ تهديدها.
ولكنها لم تخاطر بإشعال توتر مع أقوى دولة في العالم، واختارت أن تُطلق الصاروخ فوق اليابان، وهو الأمر الذي لا يتوقع أن يؤدي إلى رد عسكري.
وعليه فإن بيونغ يانغ بإطلاقها الصاروخ تكون قد أزعجت أحد حلفاء الولايات المتحدة اليابان، التي تستضيف قواعد عسكرية أميركية وعشرات آلاف الجنود الأميركيين، وأظهرت لها أن لديها القوة لضرب غوام إذا أرادت.
وقال البروفيسور كوه يو-هوان من جامعة دونغوك لوكالة الصحافة الفرنسية، إن بيونغ يانغ "ترسل كذلك رسالة بأن اليابان على مرمى صواريخها في حال اندلعت أي حرب".
علاقات مضطربة
ألمحت كوريا الشمالية إلى سبب آخر يجعل من اليابان على مرمى صواريخها، وهو التاريخ.
وقالت الأربعاء، 30 أغسطس/آب 2017، إن الصاروخ تم إطلاقه تزامناً مع الذكرى الـ107 لمعاهدة اليابان-كوريا "المخزية"، التي وقعت عام 1910 واستعمرت بموجبها طوكيو شبه الجزيرة الكورية.
وقالت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية، إن الزعيم كيم جونغ-أون "نفّس عن غضب الشعب الكوري الشمالي المكبوت منذ فترة طويلة".
وكان استعمار اليابان لكوريا، التي كانت موحدة في ذلك الوقت إيذاناً بفترة من الحكم القمعي، الذي لم ينته إلا بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية.
وأجبر الجيش الإمبراطوري الياباني آلاف النساء الكوريات على العمل في الرق الجنسي، في بيوت دعارة مخصصة للجيش خلال الحرب، وهي المسألة التي لا تزال تؤثر على العلاقات بين اليابان والكوريتين حتى الآن.
كما توترت العلاقات بين طوكيو وبيونغ يانغ، بسبب خطف مواطنين يابانيين خلال السبعينات والثمانينات لتدريب جواسيس كوريين شماليين.
ما الذي تستطيع اليابان فعله؟
استنفدت اليابان معظم خياراتها الدبلوماسية.
فقد دانت معظم دول العالم برنامجي الصواريخ البالستية والأسلحة النووية في كوريا الشمالية، ومثل الولايات المتحدة فرضت اليابان عقوبات على بيونغ يانغ، ووسَّعتها الأسبوع الماضي.
وسيدعو رئيس الوزراء شينزو آبي إلى تشديد الضغوط على بيونغ يانغ -وربما فرض مزيد من العقوبات- عندما يحضر اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، الشهر المقبل. ويعتقد بعض الخبراء أن ذلك لن ينتج عنه أي تغيُّر كبير.
وداخلياً فإن إطلاق الصاروخ يمنح اليابان سبباً لتعزيز نظامها للدفاع الصاروخي، بما في ذلك اعتماد برنامج الدفاع الصاروخي الأرضي "ايغيس"، ليكمل نظامها الدفاعي البحري، ومن المرجح أن تزيد الدعوات كذلك لإنشاء نظام إنذار مبكر عبر الأقمار الاصطناعية.
وقد يطلق ذلك النقاش حول إنشاء نظام ردع نووي ياباني، خاصة إذا أجرت بيونغ يانغ تجربة نووية جديدة. ولكن هذه مسألة حساسة نظراً لتاريخ اليابان، كالدولة الوحيدة في العالم التي تعرَّضت لهجوم بأسلحة نووية.
لماذا لم تُسقط اليابان الصاروخ؟
تقول اليابان إنها لم تُسقط الصاروخ لأنه لم يكن يشكل تهديداً على أراضيها، وإنه حلَّق في أجوائها، رغم أنها أطلقت تحذيراً لملايين اليابانيين بالاحتماء.
ولكن بعض الخبراء يشكون في أن الدفاع الصاروخي في اليابان ربما يكون له حد أقصى للارتفاع لا يتجاوز نحو 500 كلم. وفي حال كان ذلك صحيحاً فربما لم تكن اليابان قادرة على تدمير الصاروخ الذي وصل ارتفاعه إلى 550 كلم.
وقال وزير الدفاع الياباني ايستونوري انوديرا، الثلاثاء، إنه لن يكشف عن قدرات البلاد "ولكن دعوني أطمئنكم أننا قادرون على اتخاذ الإجراءات الضرورية".
ومن بين الأمور الأخرى التي ربما منعت اليابان من إسقاط الصاروخ، إمكانية رد بيونغ يانغ على ذلك.
ورغم أن العديد في المجتمع الدولي كانوا سيعتبرون إسقاط الصاروخ أمراً مشروعاً كدفاع عن النفس، فربما اعتبرته بيونغ يانغ عملاً عدوانياً، وربما قاد ذلك إلى تدهور الأمور بسرعة في شمال شرق آسيا المتوتر.