لك أن تغمض عينيك وتتخيل سقوطاً بطيئاً من أعلى ناطحة سحاب إلى سطح الأرض، متهزهزاً من شدة الاصطدام.. لحظتها، تتأكد أنك لم تسقط عضواً تلو الآخر؛ بل جسداً كاملاً مرة واحدة.
لك أن تتخيل كمية الوجع الذي ستتحمله إن بقيت على قيد الحياة، هو نفسه إحساس أولئك الذين يسقطون بثقلهم الكامل حينما يصابون بالخذلان، على خلاف غيرهم ممن يمتلكون القدرة على الثبات والسقوط أجزاء.
عن العشوائية في الإحساس التي تصيبنا أمام خيبة أمل.. لحظة وجع، يتملكنا فيها الضعف لنسقط سقوطاً سحيقاً يصل لقاع الروح، تُنهش أفئدتنا في ثوانٍ معدوداتٍ أمام صدمة الواقعة، يختلُّ فيها توازننا الشعوري ونفقد قدرتنا على الصمود، لنتوه بين ابتسامة كاذبة وعين دامعة؛ محاولين مقاومة الانفطار، مستنجدين بداخلنا حتى نتحلى بالقوة. وتقف كبرياؤنا على جنب متفرجةً لتطأطئ رأسها مختفية كقطرة ماء تبخرت، فنسقط.
في تلك اللحظة، يتسارع خفقان القلب، يحمرّ الأنف شيئاً فشيئاً، تغرورق العيون، ويرتجف باقي الجسد، تنهمر المدامع عند أول "ما بك!"، ترتطم اليد على الفم مُخرِسة تلك الشهقة التي تكاد تنسل الروح في أثنائها، لينتهي بك المطاف منطوياً في زاوية مظلمة بغرفتك، محاولاً إقناع نفسك بأن للحزن نهاية ولا بد من الوقوف.
تمنعك كبرياؤك من إكمال النحيب متعمّدةً تأنيبك؛ حتى تستطيع النهوض والمواجهة، لكن لا جدوى..
فلا بد من قطع أشواط الحزن، ولا بد للحزن من أن يأخذ نصيبه منك، يقتات على شغفك في الحياة، لتغدو جثة متنقلة بين مراحله المؤلمة، ومهما سارعت للتخلص منه إلا وتصاعدت حرارة عناقه لك، منتهياً بإقناعك بأنه لا مفر منه. فتقف حائراً بين رغبتك في الصراخ والغضب، وبين رغبتك في الركض والهروب، لتختار الصمت كملاذ أخير وكأفضل خيار وأكثره تعبيراً، ويظل الصمت أبلغ من الكلام.
وسط صمتك ذاك.. في عتمتك تلك.. وسط كآبتك، تُزج وسط فوهة تساؤلات عبثية ومتناثرة عما إذا كان حقاً ما آلت إليه نفسك، من إهمالٍ للذات وانهماك الجسد وشرود العقل وحب العزلة والظلام هذه؛ فعل خيبة أمل أم لعنة قد حلت بك، أو ربما جزاء الحب والعطاء والثقة!
ألا يكون جزاء الإحساس المفرط والتعمق والتغلغل في التفاصيل والأحداث في زمن أصبح العالم فيه يعيش السطحية!
فتنهي تساؤلك ذاك بابتسامة مصفرّة قمت برسمها على محياك الذي ضلّ سماه، مستخدماً إياها كقناع لحماية ضعفك أمام الآخرين وكأداة للسخرية من أحزانك التي تملكتك، لتكمل مشوارك بنفاق ظاهري تجابه به المقتربين منك إلى أن يشفى باطنك وتتمكن من أخذ المشعل مرة أخرى لتكمل مشوار الحياة.
والشفاء هنا ليس بجبر الكسر واختفاء الندبة؛ بل بالتناسي والتعوّد وتقبّل الأمر واكتساب الدرس من الخيبة حتى تتجاوزها بأقل الأضرار إن اعترضت طريقك يوماً ما..
لحظة وجع تأتيك دون سابق إنذار، كأي ابتلاء يسقط على رأسك، وما عليك سوى تحكيم العقل؛ حتى لا تتحامق وتودي بنفسك إلى الهلاك.
وأنتم رفقاً بمن يتحملون أخطاءكم وحماقاتكم، ولا تحسبونهم عبيدي الحب لمجرد أنهم يسامحون زلاتكم ويلتمسون العذر لكم، فهؤلاء إن انكسروا تشتتوا وصعُبت لملمتهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.