“عائلات داعش” مشكلة المدن المحرَّرة في العراق.. هل سيكون ترحيلها من مناطقها انتقاماً جماعياً؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/12 الساعة 13:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/12 الساعة 13:52 بتوقيت غرينتش

لم يمض على تحرير المدن التي كان قد سيطر عليها تنظيم "داعش"، وآخرها الموصل، مطلع ومنتصف 2014 سوى عام أو أكثر بقليل، في عمليات عسكرية ضخمة، حتى برزت مشكلة كبيرة بدأت تواجه تلك المدن، وهي مشكلة "عائلات داعش".

ونظراً للنظام الاجتماعي العشائري المعقد في العراق، عبَّر مسؤولون في المدن المحررة عن صعوبة التعامل مع هذه القضية، خشية حدوث مشكلات عشائرية من جانب، ولعدم امتلاك الحكومات المحلية فيها للإمكانات اللازمة للتعامل مع هذا الملف الشائك.

"عائلات داعش" مصطلح ظهر في الآونة الأخيرة بعد استعادة القوات العراقية السيطرة على المدن التي كانت تحت سيطرة التنظيم.

على من يُطلق الاسم؟


ويشمل هذا المصطلح الأسر التي انتمى أحد أبنائها أو رب الأسرة للتنظيم رغماً عنها، أو التي انتمى أحد أفرادها مع علمها بذلك، دون أن تنتمي الأسرة بكاملها للتنظيم، أو الأسر التي انتمت للتنظيم بالكامل رجالاً ونساءً، أو الأسر التي اتُّهمت بالتعاطف مع التنظيم.

كما يشمل المصطلح الأسرَ التي هجرت من المناطق المختلطة طائفياً، وخاصة في منطقة جرف الصخر جنوبي العاصمة بغداد، وبعض مناطق محافظة ديالى الحدودية ومناطق حزام بغداد، حيث قامت ميليشيات الحشد الشعبي بتهجير مئات الأسر من هذه المناطق، بحجة تعاطفهم مع تنظيم "داعش"، بهدف إحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة، وإخلائها من المدنيين السُّنة تماماً.

هذه العائلات يوجد عدد قليل منها حالياً في بعض المدن المحرَّرة من سيطرة التنظيم، لكن أغلبها لم تعد إلى تلك المدن بعد سيطرة القوات العراقية عليها، خشية الانتقام والثأر العشائري، فظلَّت مشرَّدة في المخيمات، فيما تمكن قسم منها من الهجرة إلى خارج البلاد.

وتم تهجير مئات العائلات الأخرى من مناطق مختلفة بشكل تدريجي في الأنبار وصلاح الدين وجرف الصخر وديالى، حيث تم ترحيل جانب منها تحت التهديد من قِبل عشائر أو جهات مسلحة مجهولة، في حين رحل القسم الآخر منها بقرارات صدرت من الحكومات المحلية في تلك المدن كصلاح الدين والموصل. فيما تم تهجير قسم ثالث على يد ميليشيات الحشد الشعبي بالقوة.

ميراث داعش يمزق مجتمع صلاح الدين


رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة صلاح الدين، جاسم جبارة، أوضح في تصريح لـ"عربي بوست"، أن العمل بهذا الملف كيفيّ اجتهادي وليس مركزياً، "وهذا ما سبَّب لنا ارتباكاً ومشكلات، ويفترض أن يتم تبنِّي هذا الملف مركزياً من قبل الدولة، وإنشاء أماكن خاصة بهم للتوعية والتثقيف، ومدارس للطلبة، ومراكز صحية، وكافة الخدمات لتعيد تأهيلهم ودمجهم مرة أخرى في المجتمع، خاصة بالنسبة لمن لم يرتكب الجرم بنفسه منهم".

وأضاف جبارة: "أنا لا أؤمن بالعقاب الجماعي، ولكن داعش خلَّف جرحاً عميقاً وشرخاً كبيراً بين الناس، فمنهم من فجَّر بيته، ومنهم من قتل أخاه أو ابنه. وكان الداعشي يخرج من عائلته وينفذ الجريمة ثم يعود إليها مرة أخرى، كما كان يفترض أن يصلح ذووهم حالهم حينما يعلمون بأفعالهم، ولذلك فإن المتضررين في المجتمع يرفضون عودة هؤلاء".

ممنوعون من العودة حتى إشعار آخر


وتابع جبارة: "نحن في مجلس المحافظة، وأنا كرئيس لجنة أمنية، قدَّمنا مقترحاً بعدم السماح لعائلات داعش بالعودة، حتى نرى ما الذي ستقدمه الدولة، وفق رؤيتنا لإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع، والناس المتضررون دماؤهم تفور، ولذلك فنحن في مشكلة، ونأمل بوجود جهود دولية مع الحكومة المركزية لإعادة تأهيل هؤلاء في المحافظات الساخنة، في الأنبار وصلاح الدين والموصل وفي أماكن خاصة".

وبين جبارة: "الآن لدينا جيل آخر، وهم أبناء الدواعش ممن قُتلَ آباؤهم؛ فكيف سيتم التعامل معهم؟ ولذلك لدينا مشكلة كبيرة أكبر من إمكاناتنا المحلية، ونحن مع إعادتهم بعد فترة قد تطول إلى عامين أو ثلاثة أو أربعة، حتى تُمحى الآثار المترتبة، وتتعزز الثقة، ويعودوا ويصبحوا مواطنين عاديين، أما المجرم فينال جزاءه العادل. لدينا أكثر من 150 أسرة من عوائل الدواعش في مخيمات بناحية العلم التابعة لمدينة تكريت، مركز صلاح الدين، وهم من أقارب الدرجة الأولى للدواعش، من مختلف المدن، وليس فقط من صلاح الدين، وهناك مخيمات أخرى غربي تكريت لأسر الدواعش".

الطريق إلى إعادة التأهيل


وحول تأهيل تلك الأسر، يرى جبارة أن هذا يحتاج إلى إمكانات مادية كبيرة ومعسكرات وبناء نظامي تتوفر فيه سبل الحياة "فمن كان عليه مؤشر منهم يذهب إلى القضاء، ومن لم يكن هناك أي مؤشر عليه يتم تأهيله وإعادته إلى المجتمع، وفق الضوابط والقانون الدولي والأعراف والشريعة، وبحلول مُرضية تحفظ حقوق الناس وتصلحهم".

ويضيف: "نحن ضد الانتقام الفردي والفوضى، ولكن أحياناً القانون يوقف المجني عليه لحمايته، وأحياناً تكون عملية إبعاد الشخص بهدف الحفاظ على سلامته الشخصية، خاصة إذا لم يكن هو من ارتكب الجريمة بنفسه، بل أحد أفراد أسرته كشقيقه أو أبيه. ولذلك نحن لا نقبل بإعادة شخص نحن غير قادرين على حمايته، خاصة أن القانون ما زال ليس بالمستوى الذي نريده جميعاً".

هؤلاء عادوا إلى الأنبار


لا يختلف الحال تقريباً في محافظة الأنبار غربي البلاد، إذ كشف عضو اللجنة الأمنية في مجلس المحافظة راجع العيساوي لـ"عربي بوست"، أن "أغلب العائلات التي انتمى أبناؤها لتنظيم داعش لم يعودوا وما زالوا خارج المناطق المحررة، وهذا طبعاً بالاتفاق بين الحكومة المحلية والعشائر، لكي لا تحدث مشكلات مستقبلية".

وأضاف: "أما الأسر التي رافق أحد أبنائها الدواعش، لكنه لم يحمل سلاحاً معهم، ولم يقتل، فقد عادوا إلى مناطقهم المحررة دون أي مشكلات، بعد أن أعطوا تعهدات للحكومة المحلية ومراكز الشرطة، بأن أبناءهم لا يعملون في تلك الجهات".

وأكد أن عمليات ترحيل أسر الدواعش من المدن المحررة قليلة جداً، ولا تكاد تذكر "وهي أقل مما كنا نتخوف منه، فقد كنا نتخوف من مشكلات كبيرة، ولكن الذي حدث أن الناس تفهمت الأمر والعوائل التي انتمى أبناؤها لتنظيم داعش لم تعد من ذاتها، والذين عليهم مؤشرات أمنية بدأوا يتدخلون مع العشائر والحكومة المحلية لإعادتهم، وجرى شبه اتفاق وعادوا بلا مشكلات".

مشكلة اسمها "أطفال داعش"


وقال العيساوي "تكلمنا قبل فترة مع الأمم المتحدة خلال مؤتمر مشترك حول أطفال الدواعش، لأننا لاحظنا أن الأطفال ما زالوا يتكلمون بمنطق العبوة والتفخيخ، وقد تحدثنا مع الأمم المتحدة، وكانت لديهم فكرة لإنشاء مشاريع تثقيفية، ولكن الأمر بحاجة إلى سرعة في العمل وتوعية إعلامية، وخاصة توعية الأطفال".

واعتبر العيساوي أن أطفال الدواعش هم المشكلة الأكبر في هذا الملف، موضحاً أن "الشخص البالغ يمكن أن تناقشه، ولكن المشكلة في الأطفال الذين يخشى أن يسلكوا الطريق نفسه مستقبلاً".

أربعة أنواع من عوائل الدواعش في الموصل


وإلى الموصل؛ حيث المشكلة ذاتها، ولكنها أكبر حجماً بسبب الثقل السكاني والجغرافي والتنوع الديمغرافي للمدينة عما هو عليه في باقي المدن الساخنة، حيث يرى الناطق باسم حرس نينوى وعضو مجلس قضاء الموصل زهير الجبوري، أن عائلات الدواعش يمكن تقسيمها إلى أربعة أقسام: "الأول الأسرُ التي غادرت مناطقها بسبب انتماء أحد أبنائها للتنظيم، وهذه الأسر ليست عليها أي شائبة، وقرَّرنا كمجلس قضاء الموصل ألا يشملهم الإبعاد".

وتابع الجبوري: "القسم الثاني من أسر الدواعش هم الذين قاموا بإبلاغ السلطات الأمنية عن أبنائهم وذويهم المنتمين لداعش، بعد تحرير المدينة، وكذلك هؤلاء غير مشمولين بالإبعاد".

"أما القسم الثالث فهي الأسر التي انتمى أبناؤها لتنظيم داعش، لكنها لم تكن أسراً داعشية، بل مناصرة للتنظيم فقط. أما القسم الرابع فهي الأسر الداعشية بالكامل، مثلاً الأم والأخت والأب والابن، والقسم الرابع المقصود به الأسر التي بايعت التنظيم بالكامل".

ويشرح الجبوري أنه "لا يجب أن تكون تلك العائلات المناصرة، أو المنتمية بالكامل للتنظيم داخل مدينة الموصل، وهنا برزت لدينا مشكلة جديدة؛ إذ بدأ دفع عائلات الدواعش من القرى والأرياف باتجاه المدينة. وقد اتخذنا قراراً في مجلس نينوى بأن يتم إبعادها على أقل تقدير، وحتى إن لم يطبق القرار الذي نتمنى أن توافق عليه الحكومة لأنه لا يمكن أن يعود الذين ذاقوا الأمرين في المخيمات، وهم بلا ذنب، للعيش مع الدواعش مرة أخرى".

وتابع الجبوري: "هناك مخيم واحد لعوائل الدواعش، هو مخيم جنين، قرب منطقة برطلة، كان من المؤمل أن ننقل إليه باقي عائلاتهم، ولكن للأسف هناك ضغوط من مسؤولين لديهم أقارب كانوا مع التنظيم، فقطعوا كل شيء عن المخيم من طعام ومياه شرب بهدف إفشال المشروع. وفعلاً تم بعد أربعة أيام نقل أسر الدواعش من هذا المخيم إلى مخيمات السلامية والجدعة، التي تضم نازحي الموصل الذين لم يكن لديهم أي ذنب".

التعريف القانوني لجريمة الالتحاق بداعش


واعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير أصدرته، منتصف يوليو/تموز 2017، أن نقل عوائل داعش من مخيم إعادة التأهيل إلى مخيمات عادية مخصصة للنازحين خطوة إيجابية، مطالبة الحكومة العراقية بحماية حقوق الأسر النازحة ومنع أشكال العقاب الجماعي.

وكانت أولى عمليات الترحيل أقرَّها مجلس محافظة صلاح الدين، نهاية أغسطس/آب 2016، حينما أصدر قراراً بترحيل أسر الدواعش إلى خارج المحافظة لمدة 10 سنوات، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين في المحافظة.

لكن الأمر لم يتوقف هنا؛ بل تعدى ذلك إلى تهديدات من جهات مجهولة، تلقتها الأسر المتهمة بصلتها بتنظيم "داعش"، أو التعاطف معه، بمنشورات تنذرهم بالرحيل، ألقيت في مدينة الفلوجة قبل نحو شهرين، وفي الرمادي وهيت بحسب مصادر أمنية.

ويقول أقارب لأسر متهمة بصلاتها بالتنظيم إن "كثيراً من الأسر اتُّهمت باطلاً بسبب ثارات أو خلافات عشائرية قديمة، قبل ظهور "داعش"، وبعضها الآخر انتمى أحد أبنائهم للتنظيم بسبب السياسات الحكومية الطائفية الظالمة في زمن المالكي".

ويقول خبراء، إن تهمة "الدعشنة" أصبحت ذريعة لزج كثير من الأبرياء في السجون، في المدن التي تم تحريرها على يد القوات العراقية، ما ينذر بتفجر الأوضاع الأمنية مستقبلاً، إذا لم تشرع الحكومة المركزية في معالجة هذا الملف الخطير.

ويرى الخبير الأمني جمال الدليمي، أن كثيراً من العائلات التي اتهمت بالتعاطف مع "داعش" لا ذنب لها سوى أن أحد أبنائها انتمى للتنظيم، وهي غير راضية مطلقاً، أو توجد خلافات عشائرية معينة لها مع آخرين وجهوا لها التهمة زوراً.

ويضيف الدليمي لـ"عربي بوست"، أن المشكلة تكمن في الطابع العشائري المعقَّد في تلك المناطق، وغياب سلطة القانون بالشكل الذي يفرض على الجميع، منعاً للفوضى من جانب، ومنعاً لمعاقبة أسر بكاملها بجريرةِ غيرِها، على جريمة لم ترتكبها، على حد قوله.

وبحسب المصادر الأمنية فإن المئات من أسر داعش تواجه مشكلات فقدان أطفالهم لمقاعد الدراسة، وعدم قدرتهم على التحرك بحرية، فضلاً عن العودة إلى مناطقهم خشية الانتقام، أمام عدم وجود مشروع حكومي لحل هذه الأزمة.

واستغلت ميليشيات الحشد الشعبي الأمر ورحَّلت آلافاً من الأسر، بتهمة التعاطف مع "داعش"، في جرف الصخر جنوبي بغداد، والطارمية والدور وديالى ومناطق أخرى، بهدف إحداث تغيير ديمغرافي بالمنطقة بدوافع طائفية، تتخذ من تهمة "الدعشنة" غطاءً لها.

تحميل المزيد