كم أنا الليلة متشوقة للكتابة، ومتشوقة لتضفير جدائل الكلمات، ورسم عيون الحروف، وتظليل عبق أريج الصفحات..
كم أنا الليلة متشوقة للصلاة ركعتين شكراً لله تعالى لما أرى وأسمع عن تحقق النصر للمقدسيين، وعن معركة الصمود والتصدي لما حصل في رحاب بيت المقدس.. من زرع الكاميرات والبوابات الحديدية، التي أزيلت رغم أنف المعتدين.
كم أنا متشوقة لسماع أصوات المآذن في عباب الأقصى، وسماع دقات الأجراس في الكنائس، وترانيم الصلاة والعبادات، في حارة الأرمن والنصارى، كم أتوق للتجول والكزدرة في أسواق وحارات القدس، والصعود والهبوط لسلالم حارات وأزقة الأسواق العتيقة في القدس، وشوارع زهرة المدائن؛ لأتذوق كعك وخبز القدس الساخن، وأتعطر باستنشاق عبير تحميص للهيل والبهار في خان الزيت العابق، وأتحلى هناك؛ لأصمم لوحة للزمان، لأبث الشوق للأخيار، لأرفع رأسي عالياً بالفخر والانتماء، بأن أبي كان حكيماً حين اختار أمي قدسية من هناك، لأصافح من صلى من المسيحيين بجانب إخوانهم من المسلمين، ومن ناصروهم وشاركوهم معركة الرباط والصمود.
يا أهل القدس الكرام.. وعرب الداخل ذوي الهمة والنخوة والرباط، أريد أن أرسم معكم لوحة الكلام للوطن، الممزوج بالأشواق من الغربة والابتعاد،
فقد نقلتنا رياح البلاد إلى خارج الأوطان، ولكن الأثير رمى إلينا صور من زرع بذور الثبات في أرض الرباط.
وتحرك جحافل شرفاء الحرية من فلسطين الداخل لنصرة أهلهم في القدس الشامخ، الصامد، بعد إغلاق بوابات ثالث قبلتهم ومحراب صلاح أيوبهم، وبصمات عمر خطابهم.
نفديك يا أقصى.. نفديك يا قدس.. يا مسرى القديسين والقديسات، نفديك بالدم والروح، فأنت عاصمة المنع عصية على المحتل وعصية على الاقتحام والاستباحة.. فالله أكبر على مَن يدنسها من المستعربين، والمستوطنين، والشريرين.
فها هي المقدسات وقدس الأقداس كانت حبيسة لأسبوعين ببوابات العجز والتقهقر والإذلال، ولا حركة من إنسان، في خارج الأوطان، أهي نهاية الإحساس في كهوف التخلف وخيم النيام، أم هي الروح تأبى الاعتراف، ولكن للبيت رب يحميه، وللقدس أهل للفزعة، حاضرون، مستعدون، غير آبهين ولا مستنكفين، بل روحهم جاهزة للتضحية في سبيل الأقصى وكل تراب فلسطين.
كم تمادى عليك المحتل بزرع كاميرات ذكية وبوابات إلكترونية، وكم منعوا عباد الرحمن من التكبير ومن التقديس ومن الصلاة والتعبد لله في بيت أقصى الرحمن، وكم اقتحموا جبهتك وبللوا خشيتك، ودنسوا روحانياتك، ومسرى أنبيائك، هم يلعبون في عرين الأسد، في عرين مارد للقهر والظلم.
هيهات هيهات إنها القدس، ألا يدركون ما تعني القدس، القدس لنا.. والبيت لنا.. ونحن للصلاة سائرون.. وللصمود في وجه من يمنع التكبير، كسروا بصمودهم ورباط جأشهم، كسروا قرارات المحتل وكسروا جبروته، وكسروا هيبته، وخالفوا أوامره فهم من يقررون ومن يفتح مسجدهم ويَؤمونه، قهروا عدوهم ومقولة الجيش الذي لا يقهر، وانتصر رجال القدس شيباً شيباناً، كبروا وهللوا عند ولوجهم باب الأسباط وباب حطة، بإرادة الرحمن.. فللبيت رب يحميه.
شكراً لرجال الدين من المسلمين والمسيحيين، ومن سطر هذا الانتصار الكبير، فنحن شعب واحد، جراحنا واحدة، وعاصمتنا واحدة، وخطنا عند القدس أحمر قاتم.
شكراً لتجار ورجال الأعمال في القدس، فهم من ساندوا وساعدوا، شكراً لذوي ولأمهات الشهداء ومن قدم روحه فداءً للأقصى، أولى المقدسات ومعراج الرسول والأنبياء.
اكتملت اللوحة، الدماء تسفك، والشباب تقنص، والأقصى يغلق، ويفتح بإرادة شعب جبار، صبور عنيد للحق والكرامة، يظلم، والمقدسي ينهك، والأقصى والمقدسات تنتهك، والعرب العرب تخمد، وصمت عربي وعالمي يقصد.
ولكن حقاً للبيت رب يرعاه ويحميه، كم أحبك يا أقصى، وكم أحبك وأعزك يا قدس، فحقاً أنت زهرة المدائن، أنت هدير صوت الضمير.
وأنت رمز الفخر، والعزة، والكرامة، والتبجيل، أنت أولاً وأخيراً، أنت عاصمة فلسطين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.