لا يختلف أحد من العرب والمسلمين حول عروبة القدس وإسلاميتها ومكانتها الخاصة لدى الفلسطينيين والعرب وكل المسلمين، والارتباط العقائدي والروحي بها المتمثل في الذاكرة والحضارة العربية والإسلامية، فهي قبلة المسلمين الأولى، وثالث الحرمين الشريفين، ودرّة الإسلام في بلاد الشام، ومحور القضية الفلسطينية، وجوهر الصراع مع الكيان الصهيوني.
هي القدس مدينة السلام والوئام، تحملها الأذهان حلماً يكبر مع الزمن، تحرسها العيون وتتربّع على عرش القلوب حباً لاينقطع أبداً.
هي الأرض المقدسة التي ما زالت وستبقى محوراً في الفكر والوجدان، تختصر التاريخ والجغرافيا وكل علوم الدين والدنيا على مر العصور والقرون والتي تأبى النسيان.
إليها اُُسري بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وازدادت مجداً بصلاته إماماً بأنبياء البشرية جميعاً، ومعراجه إلى السماء، وقرّة عينه ومهبط الملائكة ومحط البركة.
فيها حائط البراق، أثر الرسول الكريم لحظة اتصال الأرض بالسماء وقبة الصخرة التي ليس من السهل الانفكاك من تأثيرها الروحي حينما يتملك الناظر إليها.
هي المدينة المقدسة التي ترسم خريطة أمة، وتحكي حكاية شعب قد تمكن من إثبات أن إرادته أقوى من أي سلاح يمتلكه العدو الصهيوني، وهي إرادة لا يمكن أن تُقهر أو تُكسر؛ لأنها تُمثل الحق المقدس لكل فلسطيني رغم إصرار العدو الصهيوني على ابتلاع مدينة القدس، وتحويلها إلى مدينة لا صلة لها بجذورها وهويتها العربية والإسلامية.
فهو ماضٍ منذ عام 1948 في خطته لتهويد المدينة بشطريها الغربي والشرقي، وقد عمد على تغيير نظام المدينة القانوني، وطابعها العمراني، وتفريغها من سكانها العرب المقدسيين، وإحلال اليهود مكانهم، واتخذ القرارات والتدابير والأفعال للسيطرة على المدينة بالكامل؛ لفرض مزيد من السيطرة السياسية والدينية واليهودية؛ كي يصل للتقاسم الزماني والمكاني، وفرض سياسة الأمر الواقع بدعوى البحث عن آثار هيكل سليمان، للوصول إلى هدم المسجد الأقصى، وإقامة الهيكل على أنقاضه.
لا يمضي يوم إلّا ويضيف هذا الكيان المحتل لحقوق غيره جريمة إلى جرائمه البشعة الكثيرة، وصفحة عار جديدة إلى صفحات إجرامه، ومن بين ذلك إعلانه عن إغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين، ومنع إقامة صلاة الجمعة، في خطوة غير مسبوقة منذ عام 1969، حينما أُحرق المسجد الأقصى على أيدي الصهاينة.
فهذا الإغلاق هو تجرؤ كبير قد انطوى على مغامرة خطيرة، أحدثت ردة فعل غاضبة لدى الشعب الفلسطيني، بعكس ما كان يبدو لنتنياهو الذي شعر بمزيد من الغرور والعنجهية حينما أصدر أوامره بأن يكون التراجع عن قرار الإغلاق تدريجياً، وكأن ذلك مرتبط بحسن سلوك المصلين، ووضع بوابات فحص إلكتروني لفحص جميع الداخلين إلى المسجد الأقصى وباحاته، إضافة إلى وضع كاميرات مراقبة خارج الباحات وتوجيهها لتوثيق ما يجري داخل الباحات.
لهذا ما كان يجب أن تمر هذه الإجراءات دون رد فعل قوي، وتمرداً على القرارات الصهيونية، وكان يجب أن تدفع حكومة الاحتلال ثمن قرارها وغطرستها، فاليوم بوابات وتفتيش وإجراءات أخرى مهينة، وغداً ما هو أكثر لأن سياسة الصهاينة وحكوماتهم تقوم على فرض الأمر الواقع الذي يبدأ بخطوات، ويتحول فيما بعد إلى مشهد ثابت وواقع من الصعب تجاهله، وهذه حقائق دأب الصهاينة على تنفيذها من خلال مخطط التهويد، ومصادرة الهوية العربية لفلسطين عامة، ومدينة القدس بخاصة، ووضع أسس لذلك منها:
استخدامه أسلوب عزل مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني والعربي والإسلامي .
وطرد المقدسيين من المدينة تحت ذرائع متعددة ومصادرة هوياتهم المقدسية بحجة إقامتهم فترة خارج المدينة، وإحلال مستوطنين يهود بدلاً من الفلسطينيين المقدسيين وإسكانهم في مستوطنات أنشأتها سلطات الاحتلال داخل مدينة القدس وحولها.
فهذا الكيان لا يفكر سوى في سبل إعادة رسم هوية المدينة بما يخدم مخططاته ونزعته العدوانية التخريبية في طمس التاريخ وإعادة كتابة آخر يبرر وجوده الطارئ، واستخدامه كافة الوسائل لتحقيق ذلك.
لهذا كان يجب أن يعلم القاصي والداني أن الدم الفلسطيني الذي أريق في شوارع القدس وباحات المسجد الأقصى كان تأكيداً على أن مدينة القدس خط أحمر لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزه، وأن مدينة القدس بكل مقدساتها حق حصري للأمتين العربية والإسلامية، وترفض تقسيمها أو مشاركة أي جهة معهما في هذا الحق، وأن مدينة القدس والأقصى هي قلب الصراع مع الاحتلال الصهيوني، ولا بد من حشد طاقات الأمتين العربية والإسلامية من أجل مواجهة هذا الاحتلال الصهيوني، وهزيمة مشروعه في مدينة القدس وكل فلسطين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.