لم تكن علا القرضاوي، ابنة الشيخ يوسف القرضاوي، تعلم أن طلباً مهذباً من رجال شرطة مصريين "للنقاش" لـ5 دقائق داخل أحد مراكز الإسكندرية هي وزوجها المهندس حسام خلف قبل أيام سيتحول إلى اختفاء، ثم تحقيق واعتقال في زنازين فردية، قبل توجيه اتهامات لهم مثل "الانضمام لجماعة الإخوان، وتمويل جماعة إرهابية"، فهي لم تكن مطلوبة من قبل لأي قضية، ولا وُجّه لها أي اتهام طيلة السنوات الماضية.
غير أن الأمور لم تعد تمشي بالتوقع على ما يبدو، فعُلا القرضاوي (وهي قطرية من أصول مصرية) صارت الآن حبيسة زنزانة انفرادية بسجن القناطر، فيما يجلس زوجها وحده هو الآخر في حبس انفرادي بسجن طرة شديد الحراسة. أما الأبناء فلم تعد الهواتف تفارق آذانهم بحثاً عن أي خبر يُسعدهم بلقاء الأبوين قريباً.
لكن كيف وصلت عُلا، الموظفة الإدارية في القنصلية القطرية بالقاهرة إلى مكانها الآن؟ وكيف عاد زوجها الذي يشغل منصب نائب أمين عام حزب الوسط المصري إلى مكان خرج منه منذ مدة قريبة بعد سنتين من السجن؟
هذه القصة أجوبة على تلك الأسئلة وأخرى، كما ترويها لـ"عربي بوست" آية حسام خلف، ابنة عُلا وحفيدة الشيخ القرضاوي، حيث تكشف تفاصيل الدقائق الخمس، وما جاء بعدها من أحداث لم تنته حتى الآن.
"في البداية لم يتم اعتقالهما، بل طُلب منهما الذهاب برفقة أفراد من الشرطة بزي مدني إلى قسم برج العرب لمناقشة الموضوع هناك، حتى إن أفراد الشرطة قالوا لهما: يمكنكما الذهاب بالسيارة الخاصة لتعودا بها بعد قليل، لكن بعد وصولهما إلى هناك تم احتجازهما، والتحفظ على السيارة، وجرى نقلهما إلى مقرِّ الأمن الوطني بالإسكندرية". هكذا تروي آية قصة اعتقال والديها، التي بدأت باستدعاء عابر ووصلت إلى عدة اتهامات.
عبر الهاتف أخبرتنا آية، المقيمة في الولايات المتحدة، بأن واقعة اصطحاب والديها إلى قسم شرطة برج العرب بالإسكندرية كانت في إثر نقلهما لبعض محتويات "شاليه" ملك جدتها والدة علا، ولم يكن هناك أي قرار أو تحقيق سابق يجري بخصوصهما، ولم تكن هناك نية مبيتة لاعتقالهما، خاصة أن هذا العقار لم يصدر بخصوصه أي قرار بالتحفظ أو المنع من الاستخدام.
"ليومين لم نعرف عنهما شيئاً. حاولنا تتبع التليفونات ثم عرفنا أنهما في الأمن الوطني بالإسكندرية"، تقول لـ"عربي بوست". وتكمل بغضب أنه "وبعد اختفاء لمدة يومين في الإسكندرية، تم ترحيلهما إلى القاهرة كمتهمين في القضية 316 لسنة 2017 حصر أمن دولة عليا، بتهمة الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين وتمويل جماعة إرهابية".
تقول آية بنبرة تأثُّر واضحة، إن الواقعة التي حدثت الساعة العاشرة مساء، يوم الجمعة 30 يونيو/حزيران 2017، خلال قضاء الزوجين عطلة عيد الفطر في الشاليه المملوك لوالدة علا، كانت أثناء نقل بعض المفروشات من الشاليه لمكان آخر ملك جدتها أيضاً، ولا يعد هذا تصرفاً في الممتلكات غير الخاضعة بالأساس لأي قرار بالتحفظ أو المصادرة.
واستغربت العائلة سرعة تعامل الشرطة مع الواقعة "رغم تباطؤ السلطات نفسها في التعامل مع الجرائم التي تحدث في الشارع المصري".
وتضيف آية: "نحن لا نعرف ما الذي حدث، لكن ربما يكون أحد من القرية السياحية قام بإبلاغ قسم الشرطة كنوع من الوشاية، بأن ابنة الشيخ يوسف القرضاوي وزوجها يقومان بنقل ممتلكات من الشاليه السياحي بقرية رمسيس في الساحل الشمالي، الذي هو إرث من والدة علا زوجة الشيخ يوسف"، لكنها لا تؤكد هذا الظن أيضاً.
"لم يكن هناك قرار بالتفتيش، ولا أمر بالقبض عليهما في قضية مضى على الإعلان عنها قرابة 7 شهور، ولا يوجد أي ذكر لهما في أوراق القضية التي تخص جماعة الإخوان المسلمين قبل ذلك التاريخ، بحسب المحامين المترافعين عن ابنة القرضاوي".
وفي اليوم التالي للترحيل قامت قوات أمن في القاهرة باقتحام بيت الزوجين بالمقطم، وصادرت كل الأوراق الخاصة بهما، بالإضافة إلى التحفظ على الأموال والذهب، بحسب آية، التي قالت إن "فردين من الأمن ظلَّا يحرسان البيت لثلاثة أيام بعد ذلك، ومنعونا من الوصول إليه".
وتقيم علا القرضاوي، التي تحمل الجنسيتين القطرية والمصرية، مع زوجها حسام خلف، وهو مهندس ومن قيادات حزب الوسط المصري المعارض في مصر، وهي تزور الدوحة حيث يقيم والدها الشيخ يوسف القرضاوي وأشقاؤها.
ورغم أن المهندس حسام خلف يمارس النشاط السياسي والحزبي، وسبق حبسه لسنتين قبل الإفراج عنه، فإن مصدراً في حزب الوسط نفى بشدة أن تكون له علاقة بجماعة الإخوان، خاصة أن حزب الوسط على خلاف قديم مع الجماعة، التي يعتبر بعض مؤسسيه من المنشقين عنها. وقد تم الإفراج عن خلف، في مارس/آذار 2017، بعد احتجازه لسنتين من دون حكم قضائي على خلفية اتهامه بالمشاركة في أنشطة "التحالف الديمقراطي لدعم الشرعية"، وعقب الإفراج عنه عاد ليمارس حياته، كما تقول ابنته، بشكل طبيعي.
وتتهم السلطات المصرية الداعية يوسف القرضاوي بالتحريض على العنف، وقضت محكمة مصرية بإعدامه غيابياً في قضية "اقتحام السجون"، بتهمة التخابر مع حماس وإشاعة الفوضى خلال الأيام الأولى من ثورة يناير. وطالبت السلطات المصرية مؤخراً بتسليمه على رأس مجموعة من المحكومين غيابياً خلال الأزمة الخليجية الأخيرة، بحكم أنه يُقيم في قطر.
تطورات القضية
بعد أن أخذت القضية منحى جديداً بضم الزوجين للقضية 316 أمن دولة عليا، جدَّدت النيابة حبسهما 3 مرات. وتقول آية إن محقق النيابة في المرة الأولى كان يعتقد أن القضية "واهية"، وقال لوالدتها: "نفسي أخرجك بس مش بإيدي". لكنه قرر استمرار حبسها 15 يوماً على الرغم من ذلك!
ولم يستطع أي من أفراد الأسرة زيارة الزوجين حتى الآن، ورفضت السلطات المصرية زيارة دبلوماسيين قطريين للسيدة علا، التي كانت تعمل في وظيفة إدارية بالملحقية الثقافية في السفارة القطرية في مصر.
وتعتبر القضية 316 لسنة 2017 من أحدث القضايا الكبيرة في مصر، وتتهم النيابة فيها مجموعة من قيادات الصف الأول من الإخوان بقيادة وتمويل جماعة محظورة تستخدم العنف ضد مؤسسات الدولة، والتحريض والتظاهر دون تصريح، وتنفي الأسرة أي علاقة للزوجين بالتهم الموجهة إليها بالإنضمام للإخوان وتمويل جماعة إرهابية.
واعتبرت الأسرة في بيانٍ أن حبس علا في زنزانة انفرادية بسجن القناطر، وزوجها بحبس انفرادي بسجن طرة شديد الحراسة "يعتبر تنكيلاً خاصاً يضاف إلى معاناة الظروف بالغة السوء في السجون المصرية"، مؤكدين أنهم يتعرضون لإنهاك مستمر جسدي ونفسي لا إنساني.