مشاهداتي في الحسيمة.. مدينة معسكرة وساكِنة صامدة

يحاول عدد من الأمنيين والقوات العمومية إفزاع الأطفال الذين يرفعون شعار"لا للعياشة"، و"يا مخزن يا جبان شعب الريف لا يهان" لثنيه عن ذلك، لكن دون أن يفلحوا، حيث يهرب الصغار حين تأتي سيارة الشرطة، ويعاودون الكَرّة مجدداً حين تذهب، كأنهم في معركة "كر وفر".

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/09 الساعة 03:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/09 الساعة 03:38 بتوقيت غرينتش

لم أزر مدينة الحسيمة منذ بداية الحراك سوى مرة واحدة، لكن شاءت الأقدار أن أتوجه إليها بعد يوم واحد من "تهنئة العيد" التي قدمتها "السلطات المغربية" لأبناء المنطقة، ووقفت على ما تشهده المدينة دون وسيط، وهذا ليس تكذيباً أو تشكيكاً في مصداقية المصادر الخاصة، ولا في أصدقائي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" الذين ينشرون كل جديد، ولكن من شاهد ليس كمن سمع أو قرأ.

رغم أن وقت سفري كان "مبكراً"، فإن الحواجز الأمنية أبكرت معه، وانتشرت على الطرقات المؤدية إلى مدينة الحسيمة.. وفي مدخل هذه الأخيرة، بالضبط عند آخر حاجز أمني قبل دخولها، لاحظت وقوف 3 سيارات شرطة من النوع الكبير وسيارتين للقوات المساعدة بداخلها عدد من "المخازنية".

لفت انتباهي وجود مجموعة من سيارات القوات العمومية بساحة "كارابونيتا"، تقوم بجولات في المكان من حين لآخر رفقة سيارة شرطة من النوع الكبير، مفتوحة الأبواب وعلى أهبة الاستعداد لإيقاف كل من يُشَك في أمره أو اعتقال أحد "النشطاء".

أكملت مسيري لتستوقفني سيارات ومركبات للأمن والقوات المساعدة في بعض الأزقة المجاورة لشارع "الحسن الثاني" وقرب "القصر البلدي" و"الباشوية".. توجهت بعدها صوب ساحة "الشهداء"، التي وجدتها مملوءة بحشود القوات العمومية، وحتى جنباتها؛ "كولوخيو"، "المحكمة الابتدائية"، "بلايا" حظيت بنصيبها، في الحقيقة لم يتركوا مكاناً "فارغاً".

عقبها، اتجهت صوب حي "سيدي عابد" القريب، وبالضبط إلى المسجد الذي شهد مقولة "الزفزافي" الخالدة "المساجد لله وليست للمخزن"، فقد بات مرتعاً لتجوال "المخزن" و"مشتقاته"، خصوصاً أن منزل "ناصر"، يقع بـ"ثوذرين نلملك" في الزقاق المجاور لـ"ثمزيذا" المذكورة؛ بل حتى "التل" المجاور، أبيح لتسكع عناصر الأمن.

في جولتي بالمدينة -وهذه ليست مبالغة- لم تمر علي دقيقة، أي 60 ثانية، دون أن أصادف تجلياً من تجليات "العسكرة"، حيث تم إنزال أعداد هائلة من القوات العمومية.. لم تكفها الثكنات، فتم تشييد مخيمات عسكرية قرب "مدينة بادس"، لإيواء الحشود "الوافدة".

في مقابل كل هذا، يفاجئك الصمود البطولي والوعي الذي وصلت إليه الساكنة، التي شاركت في كل الأشكال النضالية، ومنها قرع الأواني من المنازل في شكل احتجاجي لافت أواخر رمضان بعد أن تعذر الخروج بسبب "المقاربة الأمنية"، والأكثر لفتاً هو تواصلها عبر أضواء الهواتف من أسطح المنازل؛ لمعرفة مَن المنازل المشاركة في الـ"طنطن"، وفق ما حكاه لي أحد أبناء المدينة.

في المساء، تجمع الأطفال الصغار، فتياناً وفتياتٍ، ورفعوا شعارات من قبيلة "يا مخزن حذاري كلنا الزفزافي"، و"عاش الريف ولا عاش من خانه"، وسمعت شباباً في مقتبل العمر، يرددون "شعب الريف قرر إسقاط العسكرة"، ومرت بجانبي سيدة في الخمسينات من عمرها، صحبة أبنائها وبناتها، تردد "عاش الشعب عاش عاش.. الحسيمة ماشي أوباش" بوجوه مبتسمة غير آبهة بالقمع، ترى فيها يقيناً بأن الصمود هو مفتاح الانتصار.

وفي الليل، تحرك الصغار دون سن الثانية عشرة في مجموعاتٍ، متجولين في بعض الأزقة من الأحياء الشعبية، مرددين مقولة جدهم أمير الريف: "قال مولاي محند.. عبد الكريم الخطابي.. ليس في الحرية.. حل وسط"، ليتبعوها بـ"واكواك على شوها سلمية وقمعتوها".

يحاول عدد من الأمنيين والقوات العمومية إفزاع الأطفال الذين يرفعون شعار"لا للعياشة"، و"يا مخزن يا جبان شعب الريف لا يهان" لثنيه عن ذلك، لكن دون أن يفلحوا، حيث يهرب الصغار حين تأتي سيارة الشرطة، ويعاودون الكَرّة مجدداً حين تذهب، كأنهم في معركة "كر وفر".

قد لا أكون وصفت الواقع بحقيقته كاملةً، لكني حاولت أن أنقل أجواء الحسيمة خلال وجودي هناك ما أمكن، فقد جعلتني الزيارة أتأكد من أن الحراك السلمي -سواء نجح في تحقيق مطالبه أو استطاعت المقاربة الأمنية إخماده، وهذا بالنسبة لي مستبعَد- قد قدم الكثير لهذه المنطقة، وأسهم في نشر وعي لدى مختلف الشرائح العمرية، خاصة الأطفال، الذين تعودوا الاحتجاج وحفظوا شعاراته، فهم الجيل القادم الذي سيحمل مطالب شباب اليوم وأكثر، وسيكون دافعهم أكبر وأكبر؛ لأن نقطة أخرى من تاريخ التوتر بين الريف والرباط ستنضاف إلى "حقدهم" على المركز.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد