ما يقع في مدينة الحسيمة المغربية ببلاغ وزارة الخارجية والتعاون الدولي حول الاحتجاجات التي كانت تشهدها فنزويلا آنذاك، منتقداً تعنيف المتظاهرين، وداعياً الحكومة الفنزويلية إلى تحقيق مطالب الشباب وتوزيع الثروة بشكل عادل في بلد يملك موارد مهمة من المحروقات، حسب البلاغ.
الذي يطلع على محتوى البلاغ يعتقد للوهلة الأولى أن المواطن المغربي يعيش في نعيم الحريات والحقوق، وأنه كباقي المواطنين في الدول الديمقراطية يملك حياةً كريمةً وخدماتٍ اجتماعيةً (التعليم، الصحة، العمل..)، لكن مع الأسف الأمر جد مختلف، ولا يعدو أن يكون هذا البلاغ مجرد "تغطية للشمس بالغربال"، فلا يوجد اختلاف كبير بين المغرب وفنزويلا في هذا الجانب.
الدليل على هذا القول هو القمع الممنهج الذي تتعرض له المسيرات الاحتجاجية في منطقة الريف؛ حيث عجزت الدولة عن الاستجابة لمطالب الساكنة، التي هي في الأصل مطالب اجتماعية بالدرجة الأولى (جامعة، مستشفى، فرص شغل..)، وربما ظن المسؤولون أن الحراك سيهدأ بعد مدة، فصبروا عليه 7 أشهر كاملة دون تضييق أو استخدام للقوة، لكنه كبر أكثر وازداد صخباً وحجماً، فلم تجد الدولة إلا لغة "العصا لمن عصا" وكان الخيار الأمني أفضل ما تملكه.
طبعاً وكما للحراك بُعد اجتماعي له بعد سياسي أيضا؛ حيث كانت بدايته مع فترة "البلوكاج"، وكيف تم الانقلاب على أصوات المواطنين وتشكيل حكومة لا تملك أدنى مصداقية أمام الرأي العام، فالدولة مسؤولة بشكل مباشر عن هذه الأزمة التي بيَّنت زيف الشعار القائل "البلد الاستثناء" في المنطقة، فلا فرق بين دولة عربية، سواء كانت في المشرق أو المغرب.
إن أكبر مشكلة الآن هي غياب طبقة سياسية ذات مصداقية قادرة على إقناع الناس بالتحاور، وعلى التفاهم بالتي هي أحسن، ففي الماضي القريب على الأقل كان يقال للناس أنتم من انتخبتم الحكومة فحاسبوها، لكن هذه المرة الأمر مختلف تماماً، فلا أحد يشعر بأنها تمثله، فشعارها في هذه المرحلة: "الصمت من ذهب"، أما بعض "الزعماء" السياسيين لا محل لهم من الإعراب، فهم يتحركون وفق الطلب، وفي هذا الإطار ندعوهم إلى الاقتداء بزعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا، وكيف يمشي سيراً على الأقدام بين مدينتي أنقرة وإسطنبول؛ حيث مسافة الطريق تقدر بحوالي 450 كيلومتراً، وذلك احتجاجاً على الحكم الذي صدر في حق أحد أعضاء الحزب بالسجن مدة 25 سنة، لكننا لا نطلب منهم قطع هذه المسافة كلها، فأجسامهم لا تحتمل، فقط نطلب منهم قول الحق، والتنديد بالظلم الذي يعاني منه إخواننا في الريف، وفي باقي مناطق المملكة.
في الماضي ارتكبت الدولة أخطاء كثيرة في المنطقة، عانى على أثرها الناس ظلماً وحيفاً كبيراً، وخلفت أحقاداً وكرهاً تجاهها، ومع قدوم الملك محمد السادس إلى العرش تغيّر الوضع، وأصبحت هناك رغبة في تحقيق المصالحة مع المنطقة، ولذلك فالدولة مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بفتح حوار حقيقي وجاد مع أبناء الريف، وتعويضهم عن التهميش والظلم الذي عانوه، والأهم من هذا عدم السقوط في أخطاء قد تكون قاتلة.
نقطة أخرى مهمة هي أن الحراك يملك تعاطفاً كبيراً في عموم المغرب، والناس تدعمه وتسانده، عكس الحكومة ووراءها وزارة الداخلية التي ترى فيه انفصالاً وتهديداً لأمن الوطن، متناسين أن الفقر والجهل والفساد أكبر عدو وأخطر ما يهدد وجود الدول والمجتمعات.
أفضل خطوة في اتجاه الحل قد تكون على شكل خطاب ملكي لأبناء المنطقة، عوض تجاهلهم، والتحرك سريعاً لمحاسبة المقصرين، وتفعيل البرامج المخططة بسرعة وخلق جو من الثقة، وذلك عبر تخفيف الوجود الأمني والعسكري في المنطقة.
إن مطالب المحتجين تعتبر عادلة ومشروعة، وحقهم في الاحتجاج السلمي يكفله الدستور والقانون، وبدل استخدام العنف والقوة، وجب التفاعل مع المطالب بشكل سريع وفعال، أما عكس ذلك فهو اللعب باستقرار وأمن البلد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.