تتكدس جثث المقاتلين الأجانب في تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش) بين أنقاض المدينة القديمة في الموصل بعيداً عن مساقط رؤوسهم.
هؤلاء الجهاديون الأجانب، ومن بينهم عشرات الفرنسيين، كانوا الأشرس في دفاعهم عن آخر معاقلهم في ثاني أكبر مدن العراق.
وكانت القوات العراقية التي يدعمها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة تلاحق آخر هؤلاء المقاتلين الذين باتوا يعدون بالعشرات، وما زالوا يبدون مقاومة شرسة في المدينة..
وتتواجه القوات العراقية خصوصاً مع مقاتلين أجانب يشكلون أكثر من ثلاثة أرباع آخر عناصر التنظيم الجهادي بحسب قوات مكافحة الإرهاب.
ومع تقدم المعارك، راحت جثث الجهاديين تتكدس في المدينة القديمة التي دمر قسم منها.
وقال القائد في قوات مكافحة الإرهاب الفريق الركن سامي العارضي هذا الأسبوع إن "غالبيتهم من الأجانب".
وقال مسؤولون عديدون من الشرطة ومن الجيش العراقي إن غالبية مقاتلي التنظيم الأجانب الذين يحاربون في الموصل في الأشهر الأخيرة من أصول روسية وشيشانية ومن جمهوريات سوفياتية سابقة، إضافة إلى العرب.
يأتي بعدهم مسلمون من آسيا (أفغان وباكستانيون وأويغور صينيون)، ثم أوروبيون (فرنسيون وألمان وبلجيكيون وبريطانيون خصوصاً)، ثم أميركيون. لكن هذه المعلومات والأرقام لا يمكن تأكيدها بسهولة من مصدر مستقل.
"الموصل ستكون مقبرتهم"
تقول المصادر نفسها إن من بين المقاتلين الأجانب نحو ثلاثين ناطقين بالفرنسية رصدوا خصوصاً عبر اتصالات هاتفية، لكن دون أن توضح عدد الذين يحملون الجنسية الفرنسية من بينهم.
ويقول العميد عباس الجبوري أحد قادة فرقة الرد السريع للشرطة العراقية، إن "غالبيتهم من دول مثل الجزائر أو المغرب أو تونس".
وقال سكان الموصل الذين تمكنوا من الفرار من المدينة القديمة بعدما أنهكهم الجوع، إن المقاتلين الأجانب أجبروهم بشكل وحشي على البقاء في المنازل التي تعرضت غالبيتها للقصف، أو كانوا يقتلون المدنيين الذين يحاولون الفرار.
يقول مسؤولون في الجيش العراقي إن الأجانب لم يكونوا يمثلون عند بدء الهجوم لاستعادة المدينة القديمة في 18 حزيران/يونيو الماضي سوى 20 في المئة من نحو 1200 جهادي تم إحصاؤهم آنذاك.
لكن عدداً كبيراً من الجهاديين العراقيين هربوا بعد تسللهم بين أفواج المدنيين النازحين عن المدينة القديمة.
ويؤكد الجيش العراقي توقيف العديد منهم، لكن مسؤولين يقولون في مجالس خاصة إن مئات عدة من الجهاديين العراقيين تمكنوا من الفرار.
يقول المقدم حيدر حسين من قوات مكافحة الإرهاب العراقية إن الأجانب "سيتم توقيفهم على الفور" خلال عمليات التفتيش عند مخارج المدينة، خصوصاً لأنهم "لا يتقنون العربية".
من جهته، يؤكد قائد قوات مكافحة الإرهاب العراقية الفريق الركن عبد الغني الأسدي أن المقاتلين الأجانب "لا يستسلمون أبداً"، ولا خيار أمامهم سوى القتال حتى الموت.
لا يخفي المسؤولون العراقيون ما سيكون عليه مصير الجهاديين. ويقول الأسدي إن "الموصل القديمة ستكون مقبرتهم". ويختصر ضابط عراقي رفض الكشف عن هويته الوضع قائلاً "عندما نراهم نقتلهم في إشارة إلى أن ملامحهم تميزهم عن أبناء المدينة".
عين باريس
تتابع باريس التي تشهد منذ العام 2015 عدة اعتداءات غالباً ما ما تكون مستوحاة من تنظيم الدولة الإسلامية، الملف عن كثب عبر قواتها الخاصة المنتشرة في الموصل.
في أواخر أيار/مايو، أكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن فرنسا طلبت من العراق تعقب وقتل 27 جهادياً فرنسياً في الموصل، وضعت قائمة بأسمائهم لمنعهم ومقاتلين آخرين ناطقين بالفرنسية من العودة وتنفيذ اعتداءات في أوروبا.
إلا أن فرنسا والمسؤولين العسكريين العراقيين نفوا وجود مثل هذه القائمة.
لكن الأسدي يقول إن "كل مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذين لا يستسلمون لا بد من قتلهم أياً كانت جنسيتهم".
يؤكد العديد من الضباط العراقيين أن أجهزة استخبارات أجنبية، بينها الفرنسية، أخذت عينات من الحمض الريبي النووي من جثث جهاديين.
في بداية معركة استعادة الموصل قبل ثمانية أشهر، كان الجهاديون يلجأون خصوصاً إلى الكمائن والقناصة والسيارات المفخخة.
لكن ومع انتقال المعارك إلى الشوارع الضيقة للمدينة القديمة، باتوا يرسلون عدداً متزايداً من الانتحاريين.
يقول حيدر إنه في الأحياء الأخيرة التي يتحصن فيها هؤلاء المقاتلون أحياناً مع أسرهم "ينتظرون في المنازل وعندما تقتحمها قواتنا يفتحون النار أو يفجرون أنفسهم"، مضيفاً "هذا الحل الوحيد المتبقي لهم".