الصراع نحو السيادة

لقد خرجت الدول العربية من الحرب العالمية الثانية بخسائر لم تكن تتوقعها، خصوصاً بعد أن لعبت دوراً عسكرياً وازناً في تحركات الحلفاء، فوجدت نفسها وحيدة أمام واقع مر يجبرها على سلك كل مسببات التحرر من قبضة الاستعمار.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/05 الساعة 02:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/05 الساعة 02:20 بتوقيت غرينتش

يعيش العالم حالياً حالة من التخبط والارتباك بسبب التحولات السياسية والاستراتيجية التي ألقت بظلالها على الساحة الدولية، وعادت بنا إلى أيام المعسكرات الشرقية والغربية، والصراع بين الكتلتين الأميركية والسوفييتية، وهي تكرار لحالة الفوضى المسعورة التي تنامت مع نشوب الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ حيث يمكن القول إن الأمر قد أعيد إنتاجه بصورة أخرى، وبحيثيات جديدة قادرة على التكيف مع مستجدات العصر ومصالح الدول الكبرى.

بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وعُدّدت الخسائر المادية والبشرية الباهظة التي أدت ثمنها كل من قوات الحلفاء ودول المحور، وقُسمت إمبراطورية ألمانيا، واعتلت أميركا وبريطانيا سُدة الدول العظمى، كقوتين بارزتين سيطرتا على المقدرات السياسية والاقتصادية للعالم، وجد العرب أنفسهم أخيراً أمام حتمية الدفاع عن حقوقهم وضرورة سعيهم الجاد بكل الوسائل لتحقيق الاستقلال،

خصوصاً بعد نشأة منظمة الأمم المتحدة التي أصبحت منبراً للنزاعات الدولية، وسبيلاً دبلوماسياً لتحقيق الحرية والانفلات من الهيمنة الخارجية، وقد قُدر للدول العربية منذ نكبة 1948 أن تحمل على عاتقها إرثاً ثقيلاً ابتداء باحتلال فلسطين، وانتهاء بالمد الصهيوني فوق الأراضي العربية، هذا الإرث ما زال إلى اليوم يشكل القضية العربية الأولى وخيطاً رفيعاً يجمع شمل الدول العربية المتهالكة.

لقد خرجت الدول العربية من الحرب العالمية الثانية بخسائر لم تكن تتوقعها، خصوصاً بعد أن لعبت دوراً عسكرياً وازناً في تحركات الحلفاء، فوجدت نفسها وحيدة أمام واقع مر يجبرها على سلك كل مسببات التحرر من قبضة الاستعمار.

إن وعد بلفور الذي شكَّل نواة نشوء الكيان الصهيوني لم يكن من باب الصدفة، بل كان مخططاً له تخطيطاً محكماً حتى يتسنى للصهاينة التغلغل في قلب الدول العربية، تحت حماية أميركية ودولية، مشتتين بذلك شملنا ومربكين لأي نية لنا في التقدم نحو المستقبل، وقد تحقق ذلك بالفعل، فلا نرى اليوم العالم العربي بأحسن حال من الدول الفقيرة الأخرى، بل ويقبع مائة مليون مواطن تحت خط الفقر، أي ما يعادل ثلث السكان، 40 مليوناً منهم لا يمكنهم تأمين الطعام.

لا يختلف اثنان على أن السياسة الدولية قائمة على مصالح متبادلة، تلعب فيها الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة والمعادن دوراً محورياً، خصوصاً بعد توازن القوى بين الدول الكبرى وتعادل ميزان الردع بينها، فكان من الواجب عليها أن تبحث وبشكل يجنبها المواجهة المباشرة، عن حقول ومنابع تضمن لها التزود وبأقل الخسائر بما تحتاجه وبما لا تحتاجه من ثروات النفط والغاز والذهب وغيرها والتنافس بذلك على عرش الأسواق العالمية.

إن الدول العربية ضحيّة سياساتها الداخلية من جهة، وسذاجة تعاملها مع السياسات الخارجية من جهة أخرى، مما يشجع المتربصين بها من أصحاب الميول الاستعمارية والنزعات التوسعية المتأصلة على احتوائها وزجّها في زوايا خانقة تجردها من شخصية التحكم في مشاريعها المستقبلية وضبط قراراتها المصيرية، ولا بأس في ذلك من تقديم بعض الخسائر كذريعة لإضفاء نوع من الشرعية على أفعالهم وسياساتهم القذرة.

إن الخريطة الدولية اليوم لا تحكمها الحدود الجغرافية بقدر ما تحددها سياسات الدول الكبرى، وما نشهده اليوم من تقسيم وتفتيت للمنظومة العربية خير دليل على ذلك، وخريطة العالم اليوم لن تكون نفسها بأي حال من الأحوال بعد مضي قرن من الزمن مثلاً، فصياغات جديدة لمفهوم الحدود الجيوسياسية بدأت تخرج حيز التطبيق؛ حيث نشرت مجلة القوات المسلحة الأميركية في عددها ليونيو/حزيران 2006 تقريراً خطيراً كتبه رالف بيترز وهو كولونيل سابق في الجيش الأميركي، ذكر فيه عملية تغيير حاصلة لمعالم دول الشرق الأوسط من الناحية الجغرافية، تنشأ عبرها دول جديدة وتُقسم أو تُدمج دول أخرى.

إن سياسة التقسيم أو التجزيء وكسب أكبر عدد من التحالفات مع كل جزء على حدة مع إبقاء حالة الصراع والمواجهة قائمة بين جميع الأجزاء حتى تنهك قدراتها الدفاعية، وبالتالي يسهل مساومتها على أي تدخل يضمن لها الاستمرارية مقابل التنازل عن جزء من مقدراتها الداخلية، هذه السياسة هي التي أصبحت الدول الكبرى تتسابق على تنفيذها على أرض الواقع دون أن يؤدي هذا التسابق إلى أي اصطدام مباشر بينها، حمايةً للمصالح الدولية المشتركة، وإبقاءً على الهيمنة الاقتصادية للدول الصناعية، وقد ساعدت الظروف المناسبة والأرضية الملائمة أن تكون الدول العربية للأسف مركز هذا التقسيم وعلى رأس أولوياته؛ نظراً للصراعات المسلحة التي باتت تميز بشكل كبير منطقة الشرق الأوسط بسبب المد الإيراني، أو بالأحرى الأطماع الإيرانية من جهة، وتواجد إسرائيل في بؤرة الصراع من جهة أخرى، فالعراق مثلاً وفي ظل المؤشرات الحالية،

وبالنظر إلى ما آلت إليه الأمور لن ينجو من لعنة التقسيم الجغرافي الكامل مع تطبيقه للإملاءات والشروط الأميركية، وسوريا في طريقها إلى أن تتحول إلى دويلات طائفية متصارعة فيما بينها؛ حيث سيكون من السهل على إسرائيل اختراقها كما حدث مع جنوب السودان، ولبنان بتعدد ثقافاته تتجاذبه تيارات سنية وشيعية، وحتى المسيحية خصوصاً، وبخلاف بقية الدول العربية هناك وجود وازن وفعال للمسيحيين في الحياة العامة والسياسية، وهذا من شأنه أن يشجع الأطماع الخارجية في حالة ما إذا تعرضت الدولة لأي تغييرات تمس وحدتها الترابية، كل هذا تحت مراقبة وتسيير الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، ولا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى إلى أي حد ستصل الأطماع الدولية وإلى أي شاطئ ستنتهي إليه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد