في وثائق ديوان المظالم والقضاء التابع لتنظيم داعش، هناك كمية من أحكام الكراهية التي لا حدود لها، والغلو المنفر للإنسان بأحكامه المتشددة التي لا تعرف الرحمة، ليس لمخالف لهم الحق في نفسه وماله وعرضه وحتى وإن كان مسلماً سنياً أو تكفيرياً متطرّفاً من فصيل آخر، فعقيدتهم الولاء والبراء تعمل على فناء الآخر والاستحواذ على ماله وعرضه!
يُنشأ الدعاة والخطباء والناشرون والحسبة على أن يكونوا من المؤمنين بعقيدة التأليب والكراهية في جو من التربية القاسية، ويسمح لهم بالاجتهاد ضمن منظومة عداء الآخر وفي أحيان كثيرة على أهوائهم!
وثائق الداعش التابعة لديوان الإعلام المَركزي التي عثر عليها في ولاية دجلة "جنوب نينوى وصولاً إلى بيجي"، وفي ولايتي نينوى والجزيرة خلال 9 شهور الماضية، كانت تدور وتؤكد على 4 أسس؛ سرد النصوص الدينية ومقتبسات من أقوال السلف، وبث الأناشيد الحماسية بأشعار حجازية ونجدية ويمانية وفصيحة، ونشر الفيديوهات والبيانات وإيجارات المعارك، وإعلانهم كراهية علماء السنة من السلفيين والإخوان والسرورية والتكفيرية والسخرية منهم والقدح بعدالتهم ووصفهم بـ"علماء السلاطين"!
الشيء اللافت للنظر في وثائق داعش هو أحكامهم على المخالفين، فظيعة ومتشددة، فهم يعتمدون في أصولهم الفقهية على الفتاوى الشاذة والاستثناءات الباطلة، وعندهم أن الأصل في عامة الشيعة هو الكفر الأصلي، وليس البدعة، وأنهم ليسوا من فرق الأمة، وأن أطفالهم ونساءهم يُعاملون معاملة ذراري المشركين والكفار الأصليين في قول لم يعرف لأي أحد من غلاة الأمة، فكم هو مؤلم أن تجد إباحتهم لقتل شيوخ ونساء وأطفال شيعة تلعفر وشبك سهل نينوى بوجه ضاحك ودم بارد، حتى أصاب قلوبهم العمى الكامل بسبب جهلهم المركب، وأما تعاملهم مع الشعب الأيزيدي وانتخابهم لأحكام فقهية تعتمد فتاوى استئصال جنسهم من الأرض بلا رعاية لفقه الواقع، أو فهم لفقه النوازل، فقد كانت جرائمهم بحق الأيزيديين لا يماثلها جرم خلال الـ60 سنة الماضية!
الوثائق أظهرت خلافاتهم الداخلية في موضوعات المناهج والفقهيات، وتتفاوت خلافاتهم بين التخلف عن ساحات المعركة والتعذر بالمعاذير للهروب من المواجهة أو العودة إلى بلدانهم، وخصومات على المناصب القيادية وعدم الإنصاف في توزيع الكفالات والرواتب والغنائم، وانتشار العنصرية المناطقية والعشائرية والقومية بينهم، وانقسامهم في مناهج التكفير والغلو بين الحازمية والقطبية، وتجاوز عدد بدعهم في أحكام التكفير عدد بدع الخوارج، ولا تجمعهم إلا البيعة للبغدادي!
القيادات من أتباع البغدادي، غالبهم من الذين عاشوا حياة متمرّدة ومغامرة تتجاوز حدود طاقة الإنسان واضطراباً نفسياً مزمناً؛ حيث انحدروا من أسر منسجمة مع الغلو أو لديهم صداقات محفزة للتطرف والتكفير أو كانوا جزءاً عضوياً وموظفاً للجماعات الإرهابية!
وليس لديهم صداقات اجتماعية تهتم لهم، وهم يتكسبون أرزاقهم بالإرهاب وحاضنة الرعب والغواية العقائدية والدعاية الإعلامية.
الوثائق فيها الأحكام المشددة التي تجبر خطباء المساجد على أن يتركوا الخطابة إلا مَن بايع منهم، ومَن بايع منهم وهو ليس بسلفي جهادي عليه أن يدخل دورة استتابة ومراجعات عقائدية ومنهجية؛ لأنّ الخطابة بلا بيعة البغدادي لا تناسب أحكام المتغلبين بقهر السلاح!!
في الوثائق هناك تصنيف واضح على أساس البلدان والأوطان واللغات، هناك رمزية ومزية للمهاجرين على المحليين في الغنائم والتعاملات المالية، أكثر المهاجرين تمايزاً هم الخلايجة كونهم أكثرهم تعاليم دينية وعقائدية وحفظهم للنصوص وقربهم من أرض الحرمين، ثم المهاجرون من جمهوريات روسيا على اعتبار التاريخ والسبق في العمل المسلح، ثم الجنسيات الأوروبية للحاجة للخبرات التقنية واللغات، وخاصة الإنكليزية والفرنسية، ثم السوريون والتوانسة والليبيون والآخرون!
وثائق ولاية الجزيرة "تلعفر إلى البعاج" يظهر فيها قادة داعش انزعاجهم من إعلان تركيا الحرب عليهم، وخططهم لكسر البيشمركة وحلفائها من عشائر شمر وطي العربية في مناطق شمال وغرب نينوى، وأيضاً تطالب عناصرهم بالاجتهاد باستهداف الأقليات العراقية بعمليات إرهابية!
هذه الوثائق أثبتت أن أتباع البغدادي ليسوا إلا جباة وسراقاً للمال في المناطق السنية ذات الثروات النفطية والتجارية، ويتعاملون مع المثقف والمتعلم ممن تعايش معهم وليس ضمن هياكلهم التنظيمية بازدراء، ويفرضون عليه الضرائب والإتاوات الثقيلة!
الوثائق أظهرت أن المناصب الميدانية تعطى على قدر الهمجية في القتل والتوحش، وأن قسماً كبيراً من المتسولين والمتمردين من تلك المناطق، وخصوصاً المراهقين والشباب منهم، قد انضموا إلى داعش، فكانوا أكثر شدة وخبثاً!
من يعمل بالحسبة في نينوى، غالباً هم من المبتدئون بطلب العلم الشرعي ويشرف عليهم عناصر من جنسيات خليجية.. وهؤلاء يشتركون بصفة كونهم من تعقيد الفقهيات ونفيهم لسماحة الشريعة واختيارهم أشد الأحكام وإلزام الناس بتطبيقها ويصعب تجنبهم بطلب الرحمة أو التوسلات الإنسانية!
الوثائق تتعامل بالوصاية والتوريث مع أرامل ومطلقات وبنات ذوي المعتقلين والمقتولين والمفقودين المنتمين لداعش، تتم كفالتهم ورعايتهم بطريقة التوريث ولا رأي لهن، ومن تتمرد يتم قطع الكفالات المالية عنها بعد تعزيرها.. وغالباً ما يتم استغلالهن واستعمالهن في نقل البريد والحوالات المالية ورعاية وخدمة مضافات المهاجرين.. نساء كتيبة الحسبة، وهن المؤمنات بخلافة البغدادي المزعومة، ولديهن معرفة بالعلوم الشرعية، وغالباً هن ممن لديهن حفظ للمعلومات العاطفية والأناشيد الحماسية والقصص الحزينة.. وبعض هؤلاء هن الداعيات والناشرات ولهن دور كبير في التجسس وكتابة التقارير واستدراج الأهداف.. في الوثائق يظهر تشجيع وتحفيز ديوان التعليم المراهقين للتطوع في كتائب أشبال الخلافة والانتحاريين، ومن لا يستجيب فسوف يتضور جوعاً، ومن يتطوع يميز بالمدح والهدايا التشجيعية والإصدارات المرئية المخلدة لذكره ولأسرته حق الشفاعة والتسهيلات من الغنائم والنساء المخطوفات.
يكتسب هؤلاء المراهقون العقيدة التكفيرية والكراهية والمكر والشدة المفرطة والخصومة والجدل.. وهي السمات الرئيسية لأشبال الخلافة، وعند إكمال تلك الدورات، يتم الانتقال من التعلم إلى العمل، من المراهقة إلى الرجولة المتوحشة، وغالباً هؤلاء يميلون إلى الاستهانة بالدماء، والتطرف، مع غباء يغلف سلوكهم المنحرف، ولا توجد فئة في داعش أكثر منهم دموية وتسرع بالتكفير، وخاصة عند بداية انتقالهم من مرحلة التعلم والتدريب إلى مرحلة العمل والرجولة المتوحشة!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.