"والشعراء يتّبعهم الغاوون ألم ترَ أنهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون".
آية من الكتاب الحكيم تلخّص ماضي وحاضر الشعراء في كل زمان وفي كل مكان إلا مَن رحم الله، وقليل ما هم.
هذه الفئة من "وعاظ السلاطين" لطالما كانت ولا تزال تطبل وتغني بحمد السلطان وبإنجازاته وببطولاته ما دام متمكناً من العرش، وما دام على قيد الحياة، فإن قضى وجاء مَن خلفه من يسومهم سوء العذاب تحولوا إليه تبجيلاً وإجلالاً وتعظيماً وربما تأليهاً أيضاً، فقد قالها الشاعر للملك إبان حكم المسلمين للأندلس:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار ** فاحكم فأنت الواحد القهار
وكلنا يعلم ما آل إليه الأندلس بملوكه وشعرائه.
هذه الفئة لطالما خانت وبدّلت وزورت وقلبت الحقائق لمصلحة السلطان؛ إذ هي تعلم أن بقاءها رهين ببقائه، فهي ليست فئة منتجة للقيمة داخل المجتمع الراقي، الذي تسوده العدالة الاجتماعية، إنما هي طبقة انتهازية فارغة من المعنى، تستغل غفلة الناس وجور السلطان؛ إذ لم يكن لها حضور إلا في مجالس اللهو حيث يغيب العقل والضمير، وفي مجالس السلطان حيث يغيب العدل، وتغيب معه الرجولة.
وتاريخ أمتنا مليء بنماذج من هذه الفئة منذ انكسار عروة الخلافة، وحلول الملك الجبري بدلاً عنها، فقد كتب ابن المقفع رسالة إلى المنصور العباسي يمجده وأصحابه بما يفوق كرامة الأولياء، وكلنا يعرف مَن هو المنصور، وكذلك كتب أبو فراس الحمداني من الأسر إلى سيف الدولة قصيدته المشهورة التي جاء في مطلعها:
فليتك تحلو والحياة مريرة ** وليتك ترضى والأنام غضاب
هذه الفئة وأخواتها من وعاظ السلاطين، مَن يحمل رأساً مسؤولية تكريس وتطبيع وترخيص وتعميم ثقافة الاستتباع للسلطان ورهن وبدل الغالي والنفيس من أجله إذ هو -على حد زعمهم- الضامن للاستقرار والعيش الهنيء، وهذا لعمري من الشرك الخفي.
وختاماً فمَن كانت حاله كذلك فهو فقير، وإن استغنى، ذليل وإن ادعى العزة، منبوذ وإن تحصن، فقد سجل التاريخ مصارع كل مَن كان من هذه الفئة بدءاً من ابن المقفع وحتى شعراء الأندلس القريب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.