جماعة الصادعون بالحق: أبعادها ودلالاتها في الصومال

جماعة "الصادعون بالحق" من أقدم الحركات الإسلامية من حيث الفكرة والتأسيس، وذلك أن نشأتها تعود إلى عام 1974، ما يعني أنها بقيت أربعين سنة في ظل الكتمان والسرية، كما تعتبر هي من أحدثها نظراً لتوقيت تجديدها وإعلانها، حيث كشف أميرها المصري الشيخ مصطفى كامل في بيان صادر في الثاني من شهر أبريل الماضي

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/02 الساعة 10:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/02 الساعة 10:21 بتوقيت غرينتش

النشأة والمفهوم

جماعة "الصادعون بالحق" من أقدم الحركات الإسلامية من حيث الفكرة والتأسيس، وذلك أن نشأتها تعود إلى عام 1974، ما يعني أنها بقيت أربعين سنة في ظل الكتمان والسرية، كما تعتبر هي من أحدثها نظراً لتوقيت تجديدها وإعلانها، حيث كشف أميرها المصري الشيخ مصطفى كامل في بيان صادر في الثاني من شهر أبريل الماضي، عن نفسها بدون أية مقدمات أو بوادر لظهورها خلال تسجيل صوتي ومرئي في ذكرى تدشين صورتها الحالية في البلاد العربية بشكل متناسق ومتزامن لأبعد الحدود.

وهي جماعة عالمية تتخذ مقرها الرئيسي في مصر. وتعد جزءاً من الجماعات التكفيرية التي أخذت واعتنقت الفكر التكفيري الذي نشأ في السجون المصرية في الستينيات من القرن الماضي، وتزعمها شكري مصطفى، الذي اتّهمت جماعته باغتيال د.محمد حسين الذهبي في 1977م.

ظهر في تسجيل إعلان "الصادعون بالحق" أسماء العديد من القياديين لها، إلى جانب العديد من الشخصيات المرموقة في عدد من الدول العربية. مكونين من أربع جنسيات: مصريون وهم الأكثرية وليبيون وصوماليون وكويتيون بدرجات متفاوتة.
ويمثل الصومال ثاني بلد يحظى فيه الصوادعة بأكبر عدد من المتابعين، حيث تتخذ عصابات الصوادعة بمقراتها الكبرى في كل من العاصمة مقديشو ومدينة جروي حاضرة ولاية بونتلاند، ومدينة هرجيسا عاصمة أرض الصومال التي أعلنت انفصالاً عقيماً منذ التسعينيات. ويقدّر عدد الصوادعة في شتى أقطار الصومال رقماً قياسياً يتجاوز المئات إن لم يكن الآلاف، متراوحين ما بين مؤيدين للفكرة ومتعاطفين معها، وهذا الرقم قابل ومرشح للزيادة بحكم واقع قياداتهم من التجار والأكاديميين، وبحكم ارتباطهم بفكر عالمي لم يكن وليداً في يوم، وإنما تمّ طبخه وبلوغه لمرحلة الرشد المتكامل.

ففي الصومال، استقال قبيل الصدع بعض عناصر الصوادعة من مناصبهم سواء في الخارج كبعض العاملين في شركة اتصالات الإماراتية، أو في الداخل مثل إداريين بجامعة جزيرة وجامعة دار الحكمة التي يعتبر رجالات الجماعة أكبر المساهمين فيها، بينما أرجأ آخرون استقالتهم. وجاءت استقالاتهم هذه استباقاً لاحتمال إقصائهم ربما، أو لإظهار أنهم مستعدون لأية تضحية.

ومن بين الشخصيات الصومالية التي ظهرت أسماؤها: الدكتور عثمان عبد الله روبله، والدكتور يوسف أحمد هرابي، والشيخ حسن عبدالله عسبلي، والمهندس يوسف إسماعيل، والدكتور عبد الله شيخ دون عبده، وبشير شيخ محمد عبدي. وهم مثقفون ورجال أعمال ونشطاء اجتماعيون وقياديون من حركة الأهلي في السبعينيات. وينتمي معظمهم إلى جماعة اشتهرت في الوسط الدعوي بجماعة التكفير (جناح الجو)، والتي ظلت في الصومال منذ منتصف السبعينيات من القرن الميلادي المنصرم، ولم تكن أنشطتها الدعوية معلنة مثل الجناح الآخر من جماعة (التكفير) المشهور بجناح (محمود نور) الذي يتخذ حالياً من مدينة قرطو (شمال شرق الصومال) مقراً له.

وتتفوّق صوادعة الصومال رغم إعلانها مؤخراً مقارنة بتنظيم داعش الذي يسيطر في أجزاء من شمال شرق البلاد، على كثير من الحيثيات والجوانب المختلفة من حيث الطبقية والثقافة والعدد والممتلكات الخاصة.

المنهجية والمبادئ للصوادعة

– تقوم هذه الجماعة من منطلق تكفيري ضد المجتمعات المسلمة في العالم، من خلال دعوتهم الواضحة إلى التوحيد من جديد (وليس الالتزام التفصيلي أو الإصلاح الشامل) ومطالبتها للأمة بالإعلان عن العبودية، ومن خلال تحديد مراحل دعوية لنفسها وصولاً إلى التطبيق الكامل لشرع الله. كذلك سعيها إلى إيجاد جماعة مسلمة من جديد، وليست مهمتها تصحيح ما هو قائم وموجود، وهذه هي نقطة خلافها مع الحركات التصحيحية الأخرى، التي تعترف بإسلامية مجتمعاتها ثم تنطلق في تصحيح الجوانب الأخرى من السياسة والاقتصاد والتعليم، والاجتماع.

– إن الهيئات التشريعية شرك والمجالس الشرعية منازعة لله في السلطان، وتسمي تلك الهيئات والمجالس بالطاغوت.

– حددت لنفسها مراحل دعوية تشبه بمنهجية الرسول -صلى الله عليه وسلم في الدعوة والخطوات التي سلكها،من خلال تحديدها بمراحل دعوية متسلسلة وتشمل بمرحلة السرية والابتلاء أي مكية ثم الجهرية والإعلان لمرحلة الدولة والتطبيق الكامل للإسلام ( أي مدنية).

– الجماعة لا تمارس العنف كخيار مبدئي للوصول إلى الحكم وتلتزم اتباعاً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مراحل دعوته الأولى، وبما أنها في مرحلة الصدع بالحق فهي تمر في مرحلة "كفوا أيديكم"، ولا يعني هذا تخليها عن الجهاد، الذي سيأتي في حينه المناسب كما جاء في البيان.

السمات والصفات المنوطة بالصوادعة

– تستخدم الجماعة تكنولوجيا حديثة وآلات التواصل الاجتماعي بشكل متقدم كمنصة لتسويق وتبليغ دعوتهم الهدامة إلى العالم.
– تستحوذ الجماعة على شريحة واسعة من التجار والأكاديميين والدعويين المؤثرين في أوساط المجتمع الصومالي ككل.
– إن الشباب منهم لا يحق لهم الزواج إلا من بنات الجماعة، وليس أي بنت منهم، بل التي تختارها الجماعة له.
– يمارسون فيما بينهم ما يسمى بنظام الطبقية، فهناك طبقة المهمشين، وطبقة غير المسموح لهم بالعمل والمحكوم عليهم بتلقي مصاريفهم من تجار الجماعة وأغنيائها، وطبقة فوق المحاسبة، وطبقة تحت المجهر .

موقف العلماء الصوماليين من الجماعة

بعد رصد البيانات المتتالية لجماعة الصادعون بالحق الفرع الصومالي، أصدر علماء الصومال بشتى توجُّهاتهم وتياراتهم السلفية والإخوانية والصوفية بياناً قالوا فيه:

"إن هذا الفكر مبنيّ على تكفير المسلمين أو معظمهم، وأن هذه الجماعة تنطلق من مفاهيم خاطئة حول مسائل في العقيدة الإسلامية وفي السنة النبوية، وتفسّرها حسب أهوائها. وحذر العلماء المجتمع الصومالي من مغبة الفكر التكفيري الذي تبنّته هذه الجماعة وأمثالها من جماعات التكفير والهجرة التي يتزعمها الشيخ محمد نور عثمان. كما دعوا جماعة الصادعون بالحق إلى التوبة إلى الله، والرجوع عن تكفير المجتمعات الإسلامية وتحقيرها، وكذلك علماء العالم الإسلامي وعلماء الصومال أن يبينوا ويوضحوا للأمة كل ما يشكل خطراً على دينهم ومصالحهم العامة".

موقف الحكومة الصومالية والولايات الفيدرالية من الجماعة

تبنّت الحكومة الصومالية موقفاً صارماً ورافضاً لجماعة الصادعون بالحق، واعتبرت عقد أي تجمعات لهم منافياً للشرعية ومنوطة باتخاذ خطوات شرعية ضدها. فعلى مستوى الإدرات المحلية للبلاد كانت ولاية "بونت لاند" أول من قام بمنع الجماعة من انتشارها في أرجاء الولاية للحيلولة دون تفشي أمراضها ومفاهيمها الدينية الخاطئة فيها. ومن جانبها، فإن ولاية أرض الصومال قبعت في الحبس ثلاثة ممن أعلنوا هذا التنظيم في مدينة هرجيسا، متهمين إياهم بتبنّيهم أفكاراً دينية تمس الأمن القومي للولاية. وقامت بعض الجامعات في العاصمة الصومالية مقديشو بفصل الأساتذة المنتمين إلى هذا التنظيم التفكيري.

مستقبل الصوادعة ومخاطرها في الصومال

وتكمن مخاطر صوادعة الصومال رغم إعلانها قبل شهر واحد، في أنها أكثر تأثيراً من تنظيم داعش الذي تمّ إعلانه في شهر أكتوبر 2015. ومن حيث الحجم فإن الصوادعة تتجاوز على أفراد الشيعة الصومالية التي تُعدّ أقلية ضئيلة غير متجانسة في المجتمع الصومالي، وبالتالي فإن واقع قياداتهم الميدانيين من التجار والأكاديميين وبحكم ارتباطهم بفكر عالمي وتناسقهم الداخلى على أساس فكري وعقدي وتصاهرى وشراكة تجارية، يُشكّل خطراً واضحاً يعكس زعزعة دينية لامحالة قادمة للمنطقة من جديد .

وهناك ثمة مؤشرات تدل على أن صوادعة الصومال متدرجة نحو زيادة رقعتها في المجتمع الصومالي، حيث من الصعب الاختراق في صفوفها المتناسقة بشكل سري للغاية، مما يوحي بأنها ستمثل حجر عثرة آخر أمام المجتمع الصومالي الذي مازال يعاني من ويلات التنظيمات الإرهابية من القاعدة وداعش منذ التسعينيات.

وهذا يتطلب من الحكومة الصومالية وعلماء الصومال عدم الاكتفاء باستهجان الصوادعة أو حظرها، وإنما اللجوء إلى كل الأساليب العسكرية والفكرية المتاحة لمواجهتها وقضائها بشكل نهائي قبل أن تتفاقم إلى مشكلة دينية أخرى تضفي مزيداً من التعقيدات أمام الدول العالمية والإسلامية على حد سواء.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد