القوات المشتركة منذ شهرين وهي تحاصر المدينة القديمة من جنوبها، ولم تنجح طيلة تلك الفترة في التوغل في عمقها إلا بمسافة 150-200م، وفي الأسابيع الثلاثة الماضية تحولت إلى تحرير أحياء الساحل الأيمن خارج المدينة القديمة، واستطاعت أن تحرر كل تلك الأحياء حتى ما كان يصنف أنه بؤرة صعبة، وهو حي 17 تموز، ولم يبقَ سوى حيي الزنجيلي والشفاء شمالي المدينة القديمة.
تجزئة المدينة القديمة إلى مناطق بحسب تسمية الأبواب التي هي 5 أبواب جنوبا "السراي، الطوب، لكش، الجديد، البيض"، وفي الشمال باب "سنجار"، وباب "المسجد"، وبالتالي التعامل معها بتكتيك الجيوب المعزولة والفلول المطاردة لتصفيتها الواحدة تلو الأخرى، بقوات قنص وفصائل راجلة، قوات نخبوية خاصة لديها خبرة وتكيِّف مع أساليب داعش داخل الشوارع والأزقة المغلقة.
الأمم المتحدة والمراقبون يفترضون أن العديد من الأهالي داخل حدود المدينة القديمة +200 ألف شخص، وأن تقارير الداخل تتفق على أن قيادة داعش قامت بتقسيم عناصرها إلى +50 مقاتلاً في كل باب من تلك الأبواب، وتكثيف وحداتهم الانتحارية بالقرب من ضفة النهر الغربية، وبالقرب من حي الزنجيلي ومحيط الجامع النوري.
بحسب الشهادات من الداخل، فهم قناصون ومفارز هاونات ومفارز تقليدية وانتحاريون، غالبهم من العراقيين، ونسبة قليلة جداً من العرب والأجانب، قد فقدوا معظم مخازنهم اللوجستية وأيضاً معظم طائرات الدرونز، وفقدوا الكثير من خزينهم الطبي والدوائي، أيضاً باتت طرق المناورة والتخفي محدودة وكذلك لا خيار لهم إلا القتال حتى الهلاك.
البغضاء والكراهية التي في صدور أهالي المدينة القديمة بالضد من داعش كفيلة بإسقاط أساليبهم بالتخفي وفضحتهم بالأسماء والصور وتقديم إحداثيات تواجدهم وحتى حركاتهم داخل المدينة، كل ذلك سوف يهشم رؤوس الدواعش وليس لمحلي أو أجنبي أي حيلة للهروب أو التخفي، والقيادة المشتركة لديها معلومات دقيقة لتقدير الموقف في أرض الواقع.
المعركة المقبلة هي المعركة الحاسمة بهجوم مشترك من الشرطة الاتحادية والرد السريع وقوات جهاز مكافحة الإرهاب، وبإسناد القوة الجوية وطيران الجيش العراقي وبدعم التحالف الدولي الجوي، هذه هي معركة القضاء على نخبة جيش الخلافة المزعومة، وما ورطتهم في المرابطة بالمدينة القديمة، هل هي من باب الإصرار على تدمير المدينة والقذارة في الانتقام من أهلها أم خباثة وبحث عن دور ما في خاتمة السوء؟
العدناني قبل هزيمة الفلوجة قدم نصحاً بترك حرب المدن والعودة إلى البوادي والصحاري في غرب نهر دجلة وشمال شرق ديالى، لكن يبدو أن البغدادي قد ورطهم حين أمرهم في خطاب نوفمبر/تشرين الثاني 2016 بالقتال داخل المدن وعرقلة عمليات التحرير بمعارك الأرض المحروقة، ولتكن النتائج متعددة، منها إنهاك الاقتصاد، واستنزاف القوات المحررة، وزيادة وقت مكثهم في مدن وادي الفرات الغنية بالثروات، وحرمان العراق من حدود آمنة، ولترقب حدوث أزمات سياسية كبيرة تأخذ العراق بعيداً عن ملاحقتهم واجتثاثهم بشكل جذري.
الاختيار الأخير المغامر والعنيف، القائم على تقليل الخسائر في صفوف الأهالي المحاصرين من قِبل آخر فلول داعش في أيمن الموصل.. المقصود من الممرات الآمنة إنقاذ أرواح المدنيين، احتراماً للحياة، باعتبارها قيمة إنسانية عليا.
لا يمكن الشعور بحجم الكارثة التي يتعرض لها أهالي المدينة القديمة؛ الموت والخوف والجوع والعطش والمرض، داعش بكل توحشها الذي أخذ بالزيادة كلما ضاقت عليها مساحة سيطرتها، عناصر عديدة لتفسير عدم قدرة المدنيين المحاصرين هناك على الخروج عبر الممرّات الآمنة، هناك خوفهم من الإعدامات التي لم تنقطع يوماً بحق كل من حاول الهروب، يشهد على ذلك إعدامات باب الطوب وباب سنجار وسوق البركة، في 7 شهور أمنية داعش نفذت حكم الإعدام بحق +2000 مواطن بتهم الردة والتعاون مع القوات الحكومية والصحوات ومحاولة الفرار إلى أرض الكفر والتجسس، بمعدل 7-10 مواطنين يومياً.
القيادة المشتركة العراقية ومنذ 7 شهور لم تتكلم بهذا الوضوح عن ضرورة تعاون الأهالي والالتزام بتعاليمها الخاصة بالممرات الآمنة، وهي منذ بداية إعلان عمليات "قادمون يا نينوى"، تؤكد ضرورة التزام الأهالي بعد تركهم مناطقهم وسوف يكون أكثر أماناً إذا ما التزموا بإرشادات السلامة التي كانت تنشر عبر منشورات أسبوعية تسقطها طائرات القوات العراقية والتحالف الدولي.
الكلام عن ممرات آمنة الآن فيه اعتراف ضمني للقيادة المشتركة بأن وحدات داعش أجبرتها على تغيير الثابت في تكتيكها القتالي.
نحن الآن وبعد مرور 7 شهور على انطلاق عمليات "قادمون يا نينوى"، ورغم كلّ ما قدمته القوات المشتركة العراقية بكل أصنافها من شهداء وتضحيات وكلّ ما حدث من تدمير للبشر والحجر والبنى التحتية وما نتج عنها من آثار اجتماعية ونفسية واقتصادية وسياسية، نوجه التحية والإجلال والتقدير لكل ذوي الشهداء والجرحى ولكلّ بندقية حملت بوجه التوحش الداعشي.
وأظن أننا في بداية نهاية المعركة -إن شاء الله- رغم أن هذه المعركة ليست محددة بسقف زمني منطقي فلن تنتهي بعد 3 أو 4 أيام، لكننا اقتربنا من نهاية المعركة.
وأن أي عملية عسكرية داخل المدن المغلقة تمرّ بمرحلة حرجة بسبب تعقيدات تواجد المدنيين في أرض محروقة أو أرض محرمة عسكرياً، ويخضع هذا النوع من القتال بضغط سياسي خارجي كبير يصل إلى منطقة يلعب فيها الزمن دوراً كبيراً في استبدال التكتيكات واتخاذ القرارات الخطيرة، من أجل تحصيل أقل المفسدتين، وينتهي في الغالب إلى نصر غير ممدوح.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.