جاء لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس بنظيره الأميركي دونالد ترامب ضمن خطة أميركية واسعة لترتيب الشرق الأوسط برمته، ترتيباً يتلاءم مع عقلية ترامب الاقتصادية، يرمي إلى بذل الجهود التي من أجلها فقط دفع مصلحة أميركا وحلفائها إلى الأمام.
سبق اللقاء الفلسطيني الأميركي لقاء الرئيس عباس بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يأتي ضمن محاولة ترامب فرض السيسي على عباس، كما فرضه على السعودية، ليكون شرطي أميركا في المنطقة العربية.
إن تركيز ترامب على قضية الدعم المادي للأسرى وعائلاتهم، هو مجرد اختبار للرئيس عباس لرؤية مدى التزامه بالخطة الأميركية، وعلى الرغم من ردود الفعل إزاء زيارة الرئيس عباس، فإن الرئيس كان واضحاً حينما دعا الأسرى المضربين عن الطعام للصمود في اليوم الـ17 لمعركة الكرامة، أن هذه القضية لا يمكن المساس بها، كما جدد في لقائه بترامب تمسكه بالدولة الفلسطينية على حدود 67، وحل قضية اللاجئين والأسرى وفقاً للشرعية الدولية، وهو مطلب كل الفلسطينيين.
في السياق ذاته لم يأتِ توقيت إعلان وثيقة حماس اعتباطاً، وإنما في سياق الصراع على التمثيل الفلسطيني وتحقيق التوازن السياسي الداخلي والخارجي، خصوصاً أنها تعاني من عزلة سياسية واقتصادية غير مسبوقة، وليس خفياً على أحد أن العلاقة بين مصر وحركة حماس المسيطرة على قطاع غزة تشهد تقارباً ملحوظاً تفرضها لغة المصالح المشتركة، إضافة إلى أن هناك ارتياحاً مصرياً ملحوظاً عقب انتخاب هنية رئيساً لحركة حماس مما يعزز العلاقة بينهما.
في ظل المعطيات الموجودة، من فوز ترامب وتغير رؤية حماس الاستراتيجية، وتسلم مصر منصبها الجديد كشرطي أميركا في المنطقة العربية، فإن فكرة الدولة الفلسطينية باتت صعبة المنال.
الرئيس عباس وُضع أمام خيارين: إما الانصياع للخطة الأميركية عبر تنفيذ أوامر السيسي، التي بالتأكيد لا تشمل توفير كامل الحقوق الفلسطينية، وإما ترك الساحة لحركة حماس، الذي يعد بمثابة انتحار سياسي وتضحية بشعب مثقل بالجراح والهموم.
هناك دوماً خيار ثالث، هو الاعتماد على السادة أبناء الشعب والتركيز ببساطة على الكرامة قبل الدولة، فالدمج بين الكرامة والحراك السياسي تحرك في اتجاه العمل السياسي الناجح.
أعتقد أن خطوة الرئيس عباس، المتمثلة في حصار حماس في غزة ووضعها على المحك، إلى جانب إضراب الأسرى في السجون الإسرائيلية، هي جزء من هذا الخيار الذي يهدف إلى وخز الشعب للتحرك دفاعاً عن كرامته بعيداً عن أجندة أميركا وحلفائها من العرب التي تنسف إمكانية قيام دولة فلسطينية.
القيادة الفلسطينية بحاجة إلى الإسراع في إنفاذ حراك الكرامة الشعبي والدبلوماسي لفرض وقوف المجتمع الدولي لجانب الحق الفلسطيني في الكرامة والحرية والاستقلال، استباقاً منها لأي خطوات يمكن أن تفرض واقعاً على الأرض يصعب تجاوزها مستقبلاً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.